في الامور المادية البحتة يجوز للمقاييس والموازين ان تفرض سلطتها وتبسط نفوذها.. بمعايير رقمية ترتفع وتهبط.. وفق حسابات دقيقة ترتبط بحجم الكميات.. وبمقدار الابعاد.
غير ان احداً لا يستطيع ان يطبق هذه المعايير المادية على جملة النوازع الذاتية للنفس البشرية.. حتى اولئك الذين يمكن وصفهم بأصحاب الفراسة.. والدهاء.. والفطنة.
وتظل اغوار النفس.. ومكامن الذات الداخلية.. سرا ابديا من اسرار الخالق سبحانه وتعالى.. تقف دونها كل محاولات البحث.. والقياس والتحديد!!
ولو كانت المشاعر تقاس.. او توزن.. لاصبحت سلعة رخيصة مبتذلة تباع بالمزاد لمن يدفع اكثر.. خاصة في هذا العصر الذي اصبح فيه كل شيء يخضع لعامل العرض والطلب.
ويخطىء من يظن ان للمشاعر سوقا.. وعلى غير حق من يري ان حفنة من الدراهم تشتري العواطف .. باعتبارها رهينة صاحبها وطوع ارادته .. لا ينالها راغب او محتاج الا بالعملة التي تعرفها.. وتتعامل بها.
قد يتوهم المرء انه ابتاع شيئا منها بارادته .. ولكن عجلة الزمن تكشف عبر مسارها زيف اعتقاده في مشهد يقترب فيه الشبه برغوة الصابون التي سرعان ما تذوب وتتلاشى بفضل حركة الرياح.. ولو عرف الانسان ان العواطف والمشاعر الانسانية اخذ وعطاء.. بنفس القيمة والنوع لاستراح واراح.. ولكف عن مهزلة التباهي.. والزهو بالقدرة على اجتياح دنيا العواطف بالمقاييس.. والموازين المادية.
ولعلنا لا نجني على الواقع الذي نعيشه اليوم اذا قلنا ان مسار التعامل فيه ضمن هذا الميدان قد اتخذ منحدرا صعبا نخشى ان يزل بأقدام اصحابه.. من اولئك الوصوليين الراكضين وراء مطامحهم الذاتية الضيقة.. وبودنا لو يتسع وقتهم للاجابة على السؤال.
الى متى يظل المرء بعيدا عن مراجعة الذات؟ انه سؤال بريء.. قد لا تتوفر اجابته الدقيقة الا في لحظات الصفاء..
ابراهيم الجبر |