Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

محلل سياسي: بوتين أول رئيس يعترف بمحدودية قوة بلاده محلل سياسي: بوتين أول رئيس يعترف بمحدودية قوة بلاده
حملة أمريكا على الإرهاب قد تؤدي إلى أضرار بالغة لروسيا إذا لم تراقب بحذرعلاقتها بالمسلمين

أصبحت روسيا اليوم دولة أكثر برودة وانعزالا عما كانت عليه منذ قرن مضى، وذلك بالرغم من ارتفاع درجة حرارة الكون والثورة الهائلة في مجال المواصلات، هذه هي الحقيقة التي تبدو غريبة بعض الشيء، والتي أكدها بحث نشره معهد بروكنجز في واشنطن، وأشار إلى أن ذلك نتيجة جهود الاتحاد السوفيتي السابق من أجل مد العمران إلى مناطقها الشاسعة، وإنشاء المدن وملئها بالمصانع والسكان، بالرغم من كون بعض تلك المناطق نائية وغير مؤهلة للسكنى.
وقد أظهر تقرير نشره معهد بروكنجز عن نسب توزيع درجات الحرارة لكل مواطن روسي أن هناك نقصاً في درجات الحرارة التي تنخفض سنة تلو الأخرى.
وأظهر التقرير أن ذلك بسبب أن حكومة ستالين كانت ترمي إلى توطين العديد من الأفراد في المناطق المجمدة في أنحاء روسيا، وكانت التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهذه السياسة التوسعية داخل مناطق الطقس البارد فادحة للغاية، دفعتها روسيا خلال العصرين القيصري والسوفيتي على حد سواء، وذلك في إطار جهودها الرامية إلى التحكم في تلك الأراضي وتحقيق التضامن بين مقاطعاتها الشاسعة التي استحوذت عليها، والاتفاقية التي توصل إليها كل من روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (الناتو) لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية، وهو ما يعد دورا جديدا لروسيا في الناتو وربما خطوة على طريق منع الأسلحة الباليستية، يمكن اعتباره نقطة تحول لما كان يعتبر أمرا غير ممكن مجرد التفكير فيه سابقا بالنسبة لروسيا، وقدأصبح حقيقة اليوم، وهذا ليس بسبب أن تلك الاتفاقية كانت بعيدة المنال أو راديكالية، ولكن لأنها تظهر استعداد روسيا لتقليص غطائها القومي بما يتناسب مع قدراتها المتاحة في عالم اليوم.
وقد وصف المحلل الروسي ديمتري ترينن هذا التحول الذي تمر به البلاد أنه «نهايةعصر أوراسيا (المنطقة الواقعة بين آسيا وأوروبا)»، وفي كتابه الذي يحمل نفس العنوان، يصف ترينن عملية «جمع» الأراضي على مدى التاريخ الروسي، ثم عمليات الاحتلال والتوسع الاستراتيجي الذي قامت به بعد ذلك، ثم يصف بعد ذلك جهود روسيا من أجل استقرار الأوضاع والتماسك بين أنحاء روسيا مترامية الأطراف.
وفي هذا السياق فإن ما تعنيه كلمة «أوراسيا» هو مهمة روسيا في الحفاظ على مركزها المنيع من حيث القوة، وكذلك من حيث الدمج بين ثقافتي أوروبا وآسيا والقدرة المستقبلية على مقاومة أي غزو ثقافي خارجي، أو بعبارة أخرى تكوين «إمبراطورية».
ومن المعروف أن تلك الفكرة قد اختفت تماما من الوجود منذعام 1989، فعلى سبيل المثال كان بعض الروس يظنون أنهم يستطيعون إحراز تقدم تكتيكي على الغرب في شرق أوروبا في كوسوفو عن طريق القيام بمغامرة مجنونة مثل احتلال مطار برشتينا.وقد فشلت هذه العملية لحسن الحظ، وذلك لأن نجاح مثل تلك العملية كان يمكن أن يؤدي إلى إحراج شديد للطرفين.
وقد تصور كل من ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين أن روسيا تستطيع أن «تنضم للغرب» وتظل تتمتع بدور محوري مساو أو قريب من دور الولايات المتحدة، ولكن ما اكتشفه كلاهما كما يقول ترينن أن الدول الأخرى تعاملت مع روسيا طبقا للحقائق الواقعية المبنية على مدى قوة نظامها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقانوني، وليس بناء على مجرد أفكار مبالغ فيها مثل تلك التي يحملها قادة روسيا في عقولهم.
وقد كان غرض التساوي مع الولايات المتحدة مجرد أوهام في الهواء، كما ثبت أيضا لروسيا أنها كانت مخطئة عندما تصورت أنها يمكن أن تتزعم، بصورة غيرمباشرة، مجموعة دول مثل الصين والهند والعراق، والذين يمكنهم مقاومة بعض الطلبات الأمريكية والغربية.
ويقول ترينن أن اقتراب قوات حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من حدود روسيا الغربية كان بمثابة «نهاية الأمل بأن روسيا يمكن أن تنهض مجددا من أزمتها وتصبح أنجح اقتصاديا وأقوى نفوذا، ومن ثم تستطيع استعادة دورها «الطبيعي« ونفوذها».
ويضيف: «إن الحقيقة المرة هي كالآتي: لا وجود لأوراسيا لكي تعود إليها روسيا»، وتلك الأفكار التي وصفها ترينن في كتابه تحظى بالقبول بين بعض قادة الجيش والدوائر الحكومية وبين الأحزاب والمفكرين، وقد اعتبر أن فلاديمير بوتن أول زعيم روسي يعترف بحدود قوة روسيا الحالية، ليس في الحاضر فقط، ولكن حتى مستقبلاً في حالة إذا ما استعادت روسيا قوتها، وهذا التفكير المنطقي يعني أنه قد تجنب أية مواجهات مستقبلية خاسرة، فقد أدرك بوتين على الفور أن مجرد محاولة منع دول البلطيق من الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي، أو أن يوحي بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى تصريح روسي لكي تتحرك في آسيا الوسطى بعد أحداث 11 سبتمبر سوف يجلب عليه وعلى بلاده كارثة، وتوقيعه على معاهدة الحد من الأسلحة مع الولايات المتحدة لهي مثال آخر على عزمه عدم التعرض إلى أية هزيمة في الوقت الحالي، أو على الأقل أي هزيمة إعلامية.
وقد صرح أحد الخبراء الروس بتشاؤم مسبق أن هذه الوثيقة «سوف تكون عبارة عن معاهدة خاوية، فقط تحتوي على بعض الأرقام ذات دلالة واقعية»، وهو لم يخطئ كثيرا، وذلك لأن تلك الوثيقة سوف تجسد ما صرحت به الولايات المتحدة سابقا أنها سوف تقوم به لا محالة، في الوقت الذي تحتفظ به بتغيير خططها بناء على رغبتها وبدون إبداء أية أسباب أو تنبيه مسبق، وحتى لو نتج عن قمة الأسبوع المقبل بين بوش وبوتن في بطرسبرج أية لجنة مشتركة لمراقبة تطوير الصواريخ الباليستية فسوف تصب كذلك في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن لا ينطبق ذلك فيما يتعلق بحلف شمال الأطلنطي.
فالأمريكيون يشعرون بارتياح لوضعه الحالي، فهو يشهد محاولات من الأوروبيين بقيادة بريطانيا وألمانيا بجعل الناتو الواهن أكثر التصاقا بالولايات المتحدة، في الوقت الذي يبدي بوتن مخاوفه لبعض الزعماء أن الولايات المتحدة تحت قيادة إدارة بوش تميل إلى عدم اكتراثها بعواقب سياستها على الدول الأخرى، وليس ما يهمه هو أن الولايات المتحدة تتخذ قرارات أحادية الجانب، ولكن أنها تتخذ تلك القرارات بدون التفكير في عواقب تلك القرارات على البلدان الأخرى طالما أنها في مناطق أخرى من العالم، وبحدود غير حدودها وجيران غير جيرانها، وقال كليفورد جادي وفيونا هيل في البحث الخاص بمؤسسة بروكنجز: إن القضية بالنسبة لبوتن هو أنه من غير المتوقع على الإطلاق من الولايات المتحدة أن تقوم بحماية روسيا أو تمد لها يد العون إذا ما واجهت أية تداعيات مستقبلية إذا ما خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.
ولذا اختار بوتن أن يتحالف مع زعماء آخرين مثل بلير وشرودر، آملا أن يقوما بالتأثير على قرارات الولايات المتحدة، ولذا يرغب في إعادة صياغة إطار عام جديد للناتو لتدعيم جهوده بهذا الصدد.
وقد نفي بوتن أن تكون للولايات المتحدة خطط للإضرار بمصالح روسيا، ولكنه قال إن الولايات المتحدة قد تضر بمصالح بلاده دون أن تقصد».
وقد كتب زبيجنيو بريزنسكي أنه «إذا ماتت «أوراسيا» فإن خيار روسيا الاستراتيجي الوحيد هو الانضمام للغرب».
ولكن الانضمام للغرب ليس مجرد إجراء خطوة واحدة أو قرار واحد أو معاهدة واحدة كما أثبتت ذلك فترة التسعينيات، ولكن تحتاج إلى تقارب واضح بين روسيا والغرب أكثر مما هو عليه الآن، ومزيد من تحمل المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الجانبين، إن ما يمكن أن يقلل من شأن روسيا هو ضعفها، وكذلك تجاهل الأمريكان والأوروبيين.
وقد أدت حملة الولايات المتحدة على الإرهاب إلى تغير نظرة إدارة بوش لروسيا، كما يمكن أن تؤدي تلك الحملة إلى أضرار بالغة لروسيا إذا لم تراقب بحذر علاقتها بالمسلمين في داخل وخارج الاتحاد الروسي، بالإضافة إلى علاقتها المتوترة بالمسلمين في الشيشان، ويتطلع ترينن إلى مستقبل تصبح فيه روسيا عضواً كاملاً في كل من حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي. ولكن هذا المستقبل ربما يبعد30 عاما من الآن، إن ترك منطقة أوراسيا بدون أن تنضم روسيا فورا إلى أوروبا سوف يكون مؤلما للغاية، فالبديل الوحيد لروسيا هو أن تظل بعيدا في المنطقة «الباردة» بكل ما تحمله الكلمة من معان.

مارتن وولكوت «الجارديان».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved