Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نوافذ نوافذ
الاستنساخ
أميمة الخميس

كان الهدف الرئيسي الذي يقبع خلف جميع الأهداف التربوية في مدينة «إسبرطة» الإغريقية القديمة هي تكوين جيش نظامي قوي قادر على المواجهة وخوض ساحات الحروب والقتال.
ونتيجة للطبيعة الجغرافية لبلاد الإغريق القديمة، التي هي عبارة عن شبه جزر وجزر متناثرة يفصل بينها تضاريس جبلية مرتفعة، لم تعرف اليونان القديمة وحدة، وانقسمت إلى مدن ودويلات متفاوتة الأنظمة دائمة الحروب والغزوات بحثاً عن السيادة وبرزت كل من مدينتي أثينا وإسبرطة في هذا المجال.
ونتيجة لهذا المناخ الذي يعيش حالة تعبئة واستعداد دائمين، صنعت مدينة «اسبرطة» نظاماً تربوياً صارماً بغرض صناعة جيش قوي وجبار وقادر على دحر الأعداء وتحقيق الانتصارات، فكانوا يبدأون في تهيئة المقاتل حال خروجه من بطن أمه فيقوم جماعة من الشيوخ والحكماء بتعريضه إلى عدد من الظروف البيئية الصعبة من حر وبرد وجوع، فإذا لم يمت واستطاع تجاوز هذه المحن فهو حري بالحياة، ويستحق ان تنفق عليه الدولة ذات النظام الاشتراكي، وتعده ليصبح مقاتلاً مغواراً.
بعد هذه التجربة القاسية فإنه يرد إلى أسرته ويبقى هناك السنين السبع الأولى من عمره، ثم لا تلبث الدولة أن تسترده ثانية، ليدخل سلسلة طويلة من التدريبات والتهيئة البدنية حتى يبلغ الثلاثين من عمره، هذا إذا لم يمت في احدى الحروب المتصلة آنذاك عندها تطلق الدولة سراحه، ويعود إلى بيته ويستطيع عندها الزواج، ويكون في حالة ترقب لأي استدعاء للحرب، ويتعرض طوال سنيّ الخدمة إلى تربية صارمة قاسية، حيث لا يسمح له بتعلم القراءة والكتابة حتى لا يقرأ ومن ثم يفكر ويبدأ في السؤال الذي سيقوده حتماً إلى الرفض والتمرد، أيضاً كان يطلب منه السير مطاطئ الرأس متهدل اليدين حتى يتدرب علي الخضوع لأوامر أسياده وأوامر قواد الجيش. وكان من صفات الجندي المغوار في إسبرطة ألا يتعاطى الفلسفة أو الشعر «سوى بعض الأناشيد الحماسية»، ويبعد عن الدراما والمسرح، ويبقى في طبقة دنيا من الوعي تؤهله ليصبح نصف آدمي قادر على القتال الشرس والتهام الأعداء فقط.
وكانت المرأة من ناحية أخرى تنخرط في فعاليات هذه الثكنة العسكرية الصارمة، فكانت تعد وتنشأ جسدياً بحيث تمتلك القدرة على إنجاب المقاتلين الأشدّاء، وكان يسود لديهم زواج «الاستبضاع» الذي كان يسود في الجاهلية بحيث إن المرأة تؤخد لدى أي من المحاربين الأشداء لضمان قوة النسل وصحته.
وعلى الرغم من الشقة الزمنية البعيدة التي تفصلنا عن اليونان القديمة «القرن الرابع قبل الميلاد» إلا أن هذا الشكل التوتالياري القامع الذي يلغي إرادة الفرد وسيادته لم يندثر ولم تستطع البشرية على الرغم من جميع نضالها وعقائدها وقيمها السامية النبيلة أن تتخلص من هذه الأنظمة التي تغيِّب إرادة الفرد وحريته وكيانه وتستبدله بالنظام الذي يتحول إلى «آتون» جبار جهنمي يبتلع فيه كل مواطن الابتكار والابداع والتجديد.
وإن كانت دولة إسبرطة قد اختفت عن خارطة التاريخ الجديد فما برح هناك عشرات الأنظمة المتسلطة المتجبرة، التي تختطف الفرد من تجربته الحياتية الثرية، وتسقط دماغه بداخل أقفاص وقوالب متحجرة تجعله عاجزاً عن رؤية الكون، عن رؤية ألوان الحياة المتعددة، عن العيش ضمن شروطه البشرية التي وهبها له الله سبحانه وتعالى.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved