Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
لبوارح الجوارح بوح..!
د.فارس محمد الغزي

كيف هي أجواء مناخات الراحلين يا رحيل..؟! فمناخ الأرض لا يزال هو كما خبرته.. إنه يتراوح بين برد الشتاء وحرارة الصيف وبينهما قشعريرة رحيل. ومثل مناخ الأرض زمنها.. فشمس الصيف - حيث ترقدين هناك بسلام - قد شرعت بتقليم أظافر الشتاء المتوحش.. المتوشح بعدك رداء الأحزان..، لقد بدأ كل ساكن يستجيب لنداء الحياة.. حتى الجليد المتراكم على مثواك يبدو فرحاً باحتضان رفاتك إلى حد الذوبان انسياباً حواليك.. استشعاراً لذوبان قلبه هو عليك.. فيتهادى حول قبرك ليطبع على محياك قبلة أشواق الأرض أشواقه إليك.. لكأني بالماء بعد ذلك يحس بألمه فيستجمع «قواه» المائية.. ليدك ما أمامه احتجاجاً على اجحاف الأرض بحق جسدك النحيل.. انتقاماً من تراب واراك فحجبك عنه.. وشفقة بدمعة تبكيك عن بعد.. تبكي الأمل الذي مات ويموت مرة وألف مرة.. مرة برحيلك وألف مرة منذ رحيلك: بتجمد الجليد.. بذوبان الجليد.
لهذا فكل شيء أرضي ليس إلا اطلالاً في ناظريه تؤكد أبدية الفراق.. أنقاض على أنقاض تذكره باستحالة اللقاء.. اذن فما الضير إن لم يعد يهمه ما تحويه كافة أرجاء الأرض.. بتضاريسها.. بوهادها.. بسهادها بوديانها.. بحدودها المصطنعة انسانياً.. بألمها الإنساني.. بهيئتها كما عبث وعاث فساداً فيها الإنسان.. فظهر الأرض في ناظريه من الحزن حسيراً كسيراً كما أن باطنها السحيق كئيب.. فلم يعد يكترث بما يجري على خدها.. أو بما يقع في بقاعها الضيقة الأرجاء الواسعة بضوائق الإنسان.. لهذا فنصيبها من الإنسان أرخص ما لدى الإنسان: الجسد.. إنها آكلة الاجساد يا رحيل.. وما يأكل العظام الرميم لا يستحق الأسى عليه.. حتى لو غارت فيها أوتادها.. وامتنعت عن الاشراق شموسها.. وأحجمت عن الدوران في مداراتها أقمارها.. انه ينظر الى السماء لا شيء غير السماء.. فمنذ أن شَخَصْتِ إلى هناك ودأبه النظر إلى هناك.. رغم انطفاء الكون في عينيه.. رغم غرق الأمل بطوفان دموع الأسى منه تسكبها مدامع الانتظار على قارعة اليأس يا رحيل.. فالعزاء موجات الألم قصيرة هي الليالي..هي النهارات.. يعقبها الرحيل قدوماً إليك يا رحيل..

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved