* القاهرة- محمد العجمي:
تسخر كل الدول امكاناتها وطاقاتها لفتح الاسواق الخارجية، وتدخل في تكتلات وتحالفات بهدف حصول منتجاتها على أكبر المميزات لتمكنها من المنافسة، والاستحواذ على المستهلكين، ويأتي الشكل النهائي للمنتج ليكون الدافع الرئيسي للمستهلك نحو قرار الشراء، ومما يتطلب صناعة مرتفعة الجودة في مجال التعبئة والتغليف، فماذا يعني إنفاق العالم نحو 974 مليار دولار سنوياً بما يمثل 7% من الناتج المحلي القومي لدول العالم؟ والعالم العربي امام تحديات كبيرة عالمية ودولية مما يفرض عليه ضرورة التكامل والتعاون في مجال منظومات التعبئة والتغليف لرفع كفاءة منتجاته، وخاصة أن الاحصاءات تشير إلى أن العجز يصل إلى مليوني طن سنوياً عام 2005 بنسبة 37%. فماذا عن هذه الصناعة؟ وما أهميتها بالنسبة للمنتج؟ واين العالم العربي من هذه الصناعة؟
توضح الاحصاءات أن الاستهلاك العربي لكافة مواد التعبئة والتغليف تشهد ارتفاعاً مستمراً فقد بلغ الاستهلاك نحو 2231 الف طن عام 1985، واخذ في الارتفاع إلى 2957 الف طن، و3631 الف طن في عامي 1990، 1995، ويتوقع أن يصل الاستهلاك العربي إلى 5599 الف طن عام 2005.
كما أن الانتاج شهد ارتفاعاً لكنه لم يغط الاستهلاك فقد بلغ الانتاج العربي 1794، و2162، و2557 الف طن اعوام 1985، 1990، 1995، ويتوقع أن يصل الانتاج إلى 3535 الف طن عام 2005، بذلك يصل العجز بين الانتاج والاستهلاك نحو 437، 795، 1074 الف طن اعوام 1985، 1990، 1995 ويتوقع أن يصل إلى 2064 الف طن عام 2005 وهو ما يوضح أن نسبة الاكتفاء الذاتي للوطن العربي من مواد التعبئة والتغليف في انخفاض مستمر حيث بلغت 4،80% عام 1985 وأخذت في الانخفاض إلى 1،73% عام 1990 ، و4،70% عام 1995 ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 14،63% عام 2005.
مزايا نسبية
السؤال المطروح الآن هل يمكن للدول العربية أن تصبح مصدرة لمواد التعبئة والتغليف وتتغلب على هذا العجز، وما مزايا هذه الصناعة؟
يؤكد الدكتور عبدالملك عصفوري رئيس الاتحاد العربي لمنظومات التعبئة والتغليف، ورئيس الجمعية المصرية لتطوير التعبئة والتغليف أن هذه الصناعة تتمتع بمزايا نسبية في الوطن العربي لتوافر معظم المواد الاساسية لمدخلات الانتاج كالبتروكيماويات للمواد البلاستيكية، والرمال (السليكا) لصناعة الزجاج، والمخلفات الزراعية لصناعة الورق، والجلود الطبيعية، والصناعية، والقطن والكتاب للاغلفة النسيجية، والصناعات المعدنية خاصة الالمونيوم للعبوات والاغلفة لإعادة التصنيع لكافة المواد بالاضافة إلى توافر المؤسسات الاكاديمية والتطبيقية، ومعظم الخبرات اللازمة للنشاط الفني والتقني في عمليات الانتاج والبحوث، وتوافر القوى العاملة المعتدلة الاجور لمختلف قطاعات ومراحل المنظومات.
وذلك مع وجود صناعات قائمة ومتقدمة نسبياً لبعض منتجات المواد والعبوات، ووجود مؤسسات متخصصة لتنسيق وتطوير نشاطات التعبئة والتغليف إلى جانب توافر مقومات تصنيع العديد من المعدات الرأسمالية، والخبرات الصناعية والهندسية اللازمة لها.
ارتفاع الطلب
ويضيف عصفوري ان السوق العربي في هذا المجال يشهد ضخامة في حجم الطلب وسرعة في النمو حاضراً ومستقبلاً لمختلف الاغراض الإنتاجية والاستهلاكية مع وجود فجوة واسعة بين معدلات الانتاج والاستهلاك العربي كما أن الارتفاع المطرد لمستويات المعيشة في الدول العربية وارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية يفرض علينا ضرورة تطوير وتحسين العبوات الاستهلاكية لمختلف الاغراض.ويتوقع عصفوري نمو التجارة العربية الخارجية والبيئية بسبب تنوع ونمو الانتاج المحلي، وانتشار المشروعات المشتركة، وتحسن مناخ الاستثمار، وإقرار اقامة منطقة تجارة حرة كبرى وتزايد احتمالات قيام سوق عربية مشتركة يتطلب ضرورة تطوير صناعات ومنظومات التعبئة والتغليف، وفي المقابل تزداد تحديات المنافسة امام الصادرات العربية في السوق العالمية لتطبيق قواعد «الجات» وانضمام بعض الدول العربية اليها، وتطور اهمية قواعد الايزو والجودة النوعية مما يترتب عليه ضرورة قيام نشاطات واستثمارات ضخمة، تكون قادرة على المنافسة، ودعم المصالح العربية الانتاجية والتجارية في الاسواق الدولية، وتحسين اساليب تقديم السلعة العربية في الاسواق الخارجية.
مؤسسة تعليمية
وترى الدكتورة منى ابو طبل الاستاذ بقسم الطباعة والنشر بكلية الفنون التطبيقية بحلوان أن تطبيقات التطور في عملية التعبئة والتغليف متاحة في سوق العمل العربي الا أن هذه القفزات لم يصحبها التمهيد الكافي والوعي الفني لاستيعاب مثل هذه الانظمة حيث لا توجد الخلفية العلمية ولا التدريب والصيانة والعمالة الماهرة مما احدث فجوة خطيرة بين تلك الانظمة المتطورة ومستخدميها ولذلك ما زلنا نستخدم القديم مما يعطينا منتجا لا يصلح للمنافسة كما أننا لا نستخدم الاساليب الحديثة بشكل افضل وبكامل طاقاتها الانتاجية.
وترجع الدكتورة منى المشاكل التي تواجه تلك المنظومات إلى عدم وجود مؤسسة تعليمية لتخريج المتخصصين في مجال صناعة التعبئة والتغليف، وعدم وجود تخطيط تكاملي بين المؤسسات التعليمية، فالواقع الفعلي لا يتعدى الاجتهادات والرؤية الشخصية في كل فرع على حدة اضافة إلى ضعف المستوى العلمي لنسبة كبيرة من العاملين في مجالات التعبئة مما يؤدي لعدم قدرتها على استيعاب التطورات التكنولوجية مما يؤثر على مستوى الجودة كما أن اسلوب مواجهة المتغيرات العلمية والطفرات الاقتصادية ما زالت قاصرة على الاجتهادات الذاتية لغياب الوسيلة والاسلوب والقنوات المنظمة للجهود المشتركة وتبادل الرأي على المستوى القومي والدولي وتشير الدكتورة منى إلى أن هذه المشاكل ادت لظهور العديد من السلبيات منها عدم توظيف الخامات للاستعمال الامثل لتعبئة المواد الغذائية والادوية بسبب التباين الهائل للخدمات المستخدمة في صفاتها الفيزيائية والكيميائية، اضافة إلى عدم مراعاة الظروف البيئية والمناخية، كما أدت إلى عدم الاهتمام بالمعايير القياسية والجودة الشاملة للخامات المستخدمة مثل تحلل احبار الطباعة وتحللها من خامة التغليف إلى السلعة المعبأة إلى جانب تجاهل دور التلوث البيئي الناتج عن استعمال خامات التغليف وعدم إلمام العاملين في تلك الصناعة بأضرار التلوث بالصحة العامة وبيئة العمل والجو المحيط بالمصنع إلى جانب عدم ابتكار عبوات تلائم الذوق وامكانات المواطن العربي العادي.
زيادة معدلات التصديرصناعة التعبئة والتغليف هي مفتاح المنتجات العربية للاسواق العالمية هذا ما اكده علي فهمي عبدالرازق مدير عام غرفة الصناعات الغذائية، واضاف أن هذه الصناعة لها أهمية حيوية خاصة في ظل التحديات العالمية، والمنافسة بين الشركات الدولية حول تقديم منتج بمواصفات الجودة، والسعر إلى جانب الشكل العام لهذا المنتج الذي يدفع المستهلك على الاقبال على منتج دون الآخر وهذا مهمة صناعة التعبئة والتغليف، لهذا تأتي اهمية دراسة السوق الخارجي ومعرفة اذواق المستهلكين، وميولهم ورغباتهم عند اتمام عملية التعبئة والتغليف للمنتج المراد تصديره، ويضيف أن شكل المنتج النهائي أو الخارجي يلعب دوراً كبيراً في زيادة معدلات التصدير، ويتدخل بصورة واضحة في اتخاذ المستهلك قراره بالشراء أو عدمه.
ويظهر ذلك في العصائر التي تصدر للخارج في عبوات صفيح مما يعرضها للتلف أثناء رحلتها للخارج لتفاعل مكونات العلبة مع مكونات المنتج الغذائي. ويشير إلى أن هذه الصناعة تعاني من ارتفاع سعر المادة الخام التي يتم استخدامها في عملية التعبئة نظراً للجمارك الكبيرة المفروضة عليها اضافة للضرائب مما يتطلب من جميع الدول العربية تخفيف الاعباء عن هذه الصناعة والتعاون والتكامل لإعطاء منتج ذي جودة عالمية يستطيع أن يكون وسيلة في زيادة الطلب العالمي على المنتجات العربية، والمنافسة في الاسواق العالمية، وذلك في ظل منظومة متكاملة لمنتج عربي متكامل المواصفات من بداية مراحل الانتاج إلى عملية التعبئة والتغليف.
فلا بد أن يكون هذا المنتج ذو جودة عالمية ومواصفات عالمية وسعر مناسب، ثم تأتي عملية الشكل وهي مرحلة رئيسية.
هذا يتطلب صناعة تستخدم التكنولوجيا الحديثة، وتظل في تطور مستمر، وتفعيل دور البحث العلمي للوصول لمستوى جودة مرتفعة عالمياً.
يقول المحاسب أحمد عاطف رئيس مجلس إدارة غرفة صناعات الطباعة أن المنظومات المتكاملة للتعبئة والتغليف هي المراحل المتعاقبة التي تمر بها الخامات والمستلزمات والسلع ومكوناتها، كما تتضمن انتاج وتحويل وتهيئة وطباعة تلك المواد واستخدامها بجانب إنتاج المعدات والمستلزمات وهو ما يعني أن تلك المنظومات رافد مهم لتصنيع وتحويل الموارد الورقية والكرتونية، كما أنها جانب من الصناعات الغذائية والزراعية وجزء من الصناعات الهندسية، وقاسم مشترك في الصناعات المدنية والحربية والمستحضرات الطبية، وتبرز أهميتها أكثر في حمايتها لما تحتويه من منتجات وسلع كما أنها تضيف إلى المحتوى القيمة المكانية والزمانية وحماية المستهلك أيضاً، واشار إلى أن هذه المنظومات شهدت طفرات غير مسبوقة لتتناغم مع المتغيرات الحديثة حيث حققت جهود البحث العلمي مؤخراً انجازات بدأت تأخذ طريقها إلى المجال الصناعي ممثلة في ابداعات تكنولوجية، حيث افرزت مواد جديدة للتلوين ومنع الاكسدة والاحبار واستخدامات الحاسب الآلي وغيرها ولكن مع الاسف لا توجد دراسات اكاديمية منظمة أو برامج تدريبية مؤهلة في مجالات منظومات التعبئة والتغليف، لهذا نطالب بضرورة استخدام دراسات اكاديمية لتخريج متخصصين مؤهلين.
|