تولت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم اقتصاديا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فكانت الدولة الوحيدة انذاك التي لم تدمر الحرب اقتصادها مقارنة بما أصاب غيرها في أوروبا والشرق الادنى من دمار شامل للهياكل الاقتصادية فيها. وبوضع الحرب أوزارها منحت الولايات المتحدة حلفاءها مساعدات مالية عرفت حينها بمشروع مارشال وقدرت حجم المساعدات بأكثر من 10% من دخل الدول الأوروبية. ولعبت أمريكا دوراً أكبر في مساعدة الاقتصاد العالمي للخروج من الكساد الذي ساد أسواقه وذلك بتخفيض أسعار الفائدة البنكية على الدولار أو تخفيض الضرائب فيها مؤدياً إلى زيادة وارداتها من أوروبا واليابان.
كما قامت الولايات المتحدة بمنح مساعدات اقتصادية تنموية إلى دول في القارة الأفريقية مبررة تلك المساعدات في تلك الحقبة الزمنية بخوفها من انتشار الاشتراكية في القارة. ولكن قيادتها الاقتصادية يبدو انها تغير جذرياً بعد التسعينيات الميلادية فبعد انهيار الاشتراكية والاتحاد السوفيتي بدأت الولايات المتحدة تتراجع عن قيادة العالم. فظهر لنا ان دافع الضرائب الأمريكي لم يعد راغباً أو مشجعاً في دفع أموال أمريكية لمساعدة دول أخرى حوله تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة. وادى انخفاض نسبة الدخل القومي الأمريكي من الدخل العالمي إلى تراجع مماثل.
ففي الستينيات الميلادية كانت الولايات المتحدة تمتلك 50% من دخل العالم والتي يسكنها حوالي 250 مليون نسمة ويعيش بقية سكان العالم على النصف الآخر (أكثر من 5 مليارات نسمة). بينما لا يزيد دخلها الوطني الآن عن 20% من الدخل العالمي. وقد سبب هذا التغير إلى انخفاض مساعداتها الاقتصادية إلى حوالي 9 مليارا دولار عام 2000م. وتابعت التغيرات تلك طريقة تعامل الإدارات الأمريكية مع الأزمات الاقتصادية العالمية.
فعندما حدث ركود وكساد في بداية التسعينيات وفي نهايتها قامت بالإعلان عن تخفيض اقل مما كان متوقعاً منها في أسعار الفائدة على الدولار لم تستطع القارة الأوروبية واليابان من تخطي الكساد بالصورة السريعة المتوقعة منها. وبالنظر إلى السوق الأوروبية المشتركة والتي تمثل القوة الاقتصادية الثانية في العالم فيبدو ان القارة الأوروبية غير راغبة وغير مستعدة لتلعب دوراً مميزاً. فمشكلة أوروبا الأساسية ليست في ارتفاع نسبة البطالة فيها ولكن في عدم معرفتها في استغلال العمالة الجيدة في جاراتها جمهوريات دول شرق أوروبا. ولو استطاعت تفعيل تلك العمالة المجاورة لظهرت لنا أقطاب اقتصادية جديدة في العالم لا تقل بحال عن ما قامت به اليابان بعد الحرب العالمية الثانية عندما قامت بتفعيل جاراتها في منطقة جنوب شرقي آسيا وكوريا الجنوبية.
أما ثالث قطب اقتصادي فيتمثل حالياً في اليابان، واليابان تعتبر ثالث أقوى اقتصاد في العالم الا انها لا تمتلك قوى أخرى ضرورية للحفاظ عليه. كما ان المجتمع الياباني لا يشتري بضائع مستوردة وهو ما يجعل الحصول على العملة اليابانية الين أمراً في غاية الصعوبة عكس ما هو الحال بالنسبة للدولار. حيث ان معظم دول العالم يتوفر لديها احتياطي نقدي كبير لاستيراد البضائع الأمريكية بكميات كبيرة. ولكي يحدث ذلك مع أتلين تحتاج اليابان لفتح أسواقها واستقبال السلع والمنتجات من بقية دول العالم. ولكي يتم ذلك تحتاج اليابان إلى نصف قرن على الاقل حتى تستطيع تغير العادات والتقاليد لدي الشعب الياباني في الإقبال على البضائع المستوردة من العالم. وفي حال بقاء العالم بدون قائد اقتصادي عالمي فقد يخشى ان يحدث له ما حدث في بداية القرن العشرين الماضي عندما تخلت بريطانيا عن قيادة العالم ولم تكن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بهذا الدور. فكانت النتيجة ظهور أوضاع سياسية واقتصادية أدخلت العالم الحر إلى كساد اقتصادي في الثلاثينيات وإلى حرب عالمية عظمي في الأربعينيات.
|