Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

غازي حينما قال: «واضرب عدوّك بي!» غازي حينما قال: «واضرب عدوّك بي!»

حديث الدكتور غازي القصيبي إلى مجلة (الوسط) اللندنية لم يكن أبداً أقل أهمية من قصيدته ذائعة الصيت في امتداح العملية الاستشهادية التي نفذتها فتاة فلسطينية فقد كان الحوار الذي شغل مايقارب ستة أعمدة في المجلة معبراً تماما عن الموقف الذي سجله في قصيدته «الشهداء».
عبّر القصيبي عن الموقف الذي تأخذه الأغلبية من النخبة العربية ولكنها لا تبوح به لأسباب مختلفة، وغازي رغم حراجة موقعه وحساسيته الدبلوماسية كان مبدئيا حينما أعلن عبر الشعر عن موقف ثقافي قبل ان يكون سياسياً، وحديثه إلى الوسط كان تعبيراً عن (الالتزام) بما أذاعته القصيدة.
كانت المشاهد كافية لقول شيء لكن بعض الشعراء لايجيدون التعامل مع الواجبات ولايجدون ذواتهم حين يظن الناس أنهم يجب ان يوجدوا، بعض الشعراء تخذلهم قصائدهم في المناسبات وان ظل يحتدم ويضطرم أشهراً، والحالة مع الانتفاضة هي مثال واضح؛ إذ لاشيء أقدر منها على توفير موضوعات ومشاهد ولاشيء آخر ينافسها في بعث الصور والخيالات الجاهزة، ومنح الشاعر قضية رابحة سلفا لكن هؤلاء لا يقولون ويظلون يحتدمون.. ولكن لماذا هكذا فجأة أغدق الشعراء والكتاب والمبدعون نتاجهم على هذه الفتاة؟ إنه ما من تفسير واضح ومباشر لهذا الأمر، ولم يكن أحد ليجرؤ في زخم الدماء أن يتحدث عن مختارات أو نماذج لفدائيين، أو ان يرتكب مقاربة نقدية لنص من هذه النصوص الفاضلة.
هل يجوز القول إن هؤلاء الشعراء - بشكل خاص - بحاجة إلى إضاءة خاصة، وإلى موقف استثنائي؛ لايثيرهم أو يتحداهم فحسب وإنما يدخلهم في حالة من اللاوعي، ويفقدهم التوازن الذي تتطلبه ورقة مثل هذه القصيدة تقفز من صدر الصفحة إلى قلوب القراء؟ إذا كان ذلك صحيحا؛ فإن هذه الورقة تجد التأويل المناسب لقراءة الوجه الثقافي والإبداعي لهذا الحدث، وإن لم يكن فإنها لن تتورط أبدا في نثر نقدي لا قيمة ضمنية له.
لقد كان اسمها منطوياً على إشارة رمزية خطيرة؛ إنه مشبع بالعلامات والدلالات، بل إن الدلالة السيميائية فيه مكثفة حد اختصار كل الخطب والشروحات والمقالات، ولو أنه جرى اختيار اسم بعينه لخدمة هذا الحدث فإنه لن يجيء أكثر نجاحا من اسم ودلالة «آيات الأخرس» هذه التي زنرت ياسمين جسدها بأحزمة المتفجرات، وهي تقرأ بيانها تعزي به (الأمة)، وربما كانت في موقفها ذاك تنتظر من الإنسانية أن تتأمل هذه الصبيّة وأن تحزن لموتها؛ لا أن تتفرغ لوصفها وتصنيفها.
قصيدة (الشهداء) هيأت نفسها لهذا الفعل في وجه من وجوهه وإن أغرقت في الخطابية التي يتطلبها السياق الثقافي الذي تطرح فيه، وحسب شاعرها انه يسجل موقفا رغم تسريبات الخارجية البريطانية بشأن احتجاجها على قصيدته، ورغم التقرير الاخباري سيء النية الذي كتبته (الأوبزيرفر)، ورغم الصمت الذي ران على الأصوات المؤيدة فترة من الزمن، بعد تسويق هذه العمليات الاستشهادية بوصفها إرهابا، هذا المبرر شديد الغباء والسخف، سلاح الذين لايرغبون في فهم الأشياء أولا يفهمونها بالفعل، المبرر الذي يطوي تحت بلاهته وعنصريته كل الحقوق والمظالم والتباينات المختلفة.
إذا كان من المجهد والعسير على الكثير من المتابعين ان يقرأوا العمليات الاستشهادية سياسياً فعليهم ألا يكتفوا بالحديث عنها من زاوية أو إنسانية لأن السياسة متورطة في ذلك كله، وإذا كان زوار علب الانترنت ومجاهدو المنتديات قادرين على التعبير عن مواقفهم بكل هذه الفصاحة والحدة، ويتوفرون على هذه الساعات أمام أجهزتهم ومفاتيحهم، فلماذا لم يكلف واحد منهم نفسه ان يسجل احتجاجاً لدى الخارجية البريطانية وموقعها علي الانترنت معلن ومعروف؟ لماذا لم يفعلوا ذلك واستعاضوا عنه بالبحث في السير الذاتية والتصانيف التي أكل عليها الدهر وشرب!.
إن الذين يتحدثون عن تورط جهات ما بتوفير غطاء سياسي للمجازر عليهم ان يتذكروا أنهم يوفرون غطاء ثقافياً لها من حيث يعلمون ومن حيث ينشغلون باجترار مواقف وأفعال لا قيمة فعلية لها؟ فالذين يزايدون - مثلاً- علي محمود درويش وحتى على رياض نجيب الرئيس لم يقدموا جزءا مما قدمه هذان لقضيتهم، ديوان «حالة حصار» وزع آلافا من النسخ كان ريعها للانتفاضة، بينما كان شاعر بقامته وناشر بقامته غنيين عن الدعاية بقدر حاجتهما لاستثمار الشغف الآني شعريا وماديا.
والخلاصة ان المسألة ليست في ماهو الرأي الصحيح وماهو الأصح؟
بل إنها في الموقف ذاته، فإذا ادلهمّت الخطوب واختلط الحابل بالنابل ففتش عن الموقف، وغازي في حالة (الشهداء) كان خير مثال على ماينبغي ان يكونه المثقف حينما شارك درويشا في فكرته السابقة!! وسقطت قربك، فالتقطني.. واضرب عدوك بي.
فأنت الآن.. حر

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved