Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

صدى الإبداع 2/9 صدى الإبداع 2/9

1 الاتجاه النقدي من خلال النص الإبداعي:
تحدثنا في الحلقة الماضية عن المؤثر الثقافي في القراءة النقدية. واليوم نتحدث عن القراءة النقدية بوصفها قراءة، وليس كما يتخيل البعض، من أنها تصيد للهفوات الفنية والعلمية والنيل منها، ولم ننس تلك المقولة القديمة: «الناقد مبدع فاشل» أي أنه عندما عجز الإبداع اتجه إلى النقد، وهذا دليل قاطع على أن مفهوم النقد فيما مضى لا يتعدى الهجوم والتجريح وهدم البناء الإبداعي، وسلطة الناقد فوق قوة المبدع في إبداعه، ومن يتتبع النقد العربي في بداية النهضة الأدبية في العالم العربي يجد ذلك ظاهراً للعيان، فكانت مهمة الناقد تتبع الأخطاء اللغوية والبناء الفني حسب ما يتوافق وذوقه الخاص.
وكان الإبداع الروائي يقوم على التشخيص والوصف المكاني، والرومانسيات وجذب القارئ باللفظ البياني المؤثر، ولم تلغ الرواية الحديثة ذلك البناء كلياً، لكنها أدخلت عليه فكراً جديداً، من خلال رؤية الكاتب الفنية، وهي رؤية نقدية في أساسها، تعمل بقانون المقايسة النقدية في الأدب والفكر «1» وفحوى النص الإبداعي في الرواية الحديثة عرض للقضية الاجتماعية بأسلوب نقدي يختلف عن النظرية النقدية، في الشكل وليس في المضمون. فالرواية فلسفة للحياة، في كل شؤونها، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وإذا عرفنا أنها «الرواية» بحر ليس له شطآن، ولا يضيق صدرها بأي شيء يطرح من خلالها وفي داخلها، عرفنا وجود النقد في تضاعيفها، كفكر معبر عن وضع زمني محدد، تحتمه الظروف العالمية والمحلية على حد سواء. على أن التجربة الفنية والاحتراف الكتابي الروائي هو المسؤول عن مدى قوة ذلك النقد من عدمه، وليس النقد الروائي، كنص إبداعي له أصوله وشروطه الفنية، نقداً مباشراً، يصادر بعض ما يراه ويثبت ما يراه من الوجهة النقدية الخاصة، لكنه نقد استبطاني، من داخل النص نفسه، قد لا يجده القارئ العادي الذي يبحث عن متعة القراءة، وقد يستمتع بالنص ويضحك على ما يجده فيه من العبارات التي تدعو للضحك، كما تدهشه بعض المقاطع من النص، وقد يقف عندها بعض الوقت متأملاً في رسم الشخصية بالطريقة التشخيصية «كاريكاتير».
ألم تكن كتابات الروائيين العالميين الناجحين في الآداب العالمية نصوصاً نقدية في باطنها؟؟. ألم يصور تشارلس دكنز حال أسرته في معظم رواياته مثل روايته« الأوقات الصعبة»؟ وفيما يتعلق بالمجتمع في روايته الشهيرة« الآمال الكبرى» Great Expectation «2».
إن ديكنز ينقد الوضع السائد في زمانه بدون استثناء، فأبوه مبذر أضاع الأسرة بتبذيره، وهو يعمل في تغليف الزجاج «على صغر سنه» ليعول الأسرة البائسة، والعصابة يستخدمون طفلاً نحيل الجسم ليدخلوه من بين القضبان الحديدية للسرقة، وغير تلك المشاهد التي صور بها دكنز أبطال رواياته منتقداً بها تصرفات المجتمع البريطاني.
ونجيب محفوظ يصور الشللية في أولاد حارتنا، ويلعب الدور نفسه في اللص والكلاب وثرثرة على النيل، ومعظم رواياته التي أصبحت عالمية اليوم. ولو تساءلنا عن السبب الذي جعلها عالمية لوجدنا نفس السبب الذي جعل دكنز وجيمس جويس ومارك توين، وبن أوكري.«3».
وقد كان ظهور الفن الروائي في المملكة العربية السعودية في بداياته موجهاً إلى تقويم العملية التعليمية والتربوية، لكن التحول الفني في الرؤية الفكرية جعل الرواية جزءاً من العملية النقدية بمنظور يختلف عن المنظور السردي ذي الاتجاه الواحد. بمعنى آخر، المقدمات قبل النتائج، بينما كانت النتائج تأتي قبل المقدمات، وما إن تحولت الرواية العربية بشكل عام، من السرد القصصي إلى الرؤية الفنية، حتى صاحب ذلك نقد فكري، بما تحوي هذه الكلمة من معنى، فقد يكون اجتماعياً واقتصادياً وتربوياً في نفس الوقت.
وظهر هذا التحول في شكله العام منذ ظهور الرواية الفنية في المملكة العربية السعودية، بظهور عمل حامد دمنهوري، ثم أعمال إبراهيم الناصر الحميدان في عقد الستينيات الميلادية، واتساع دائرة التنمية في المجتمع السعودي. وكان لظهور الأصوات الجديدة في الرواية السعودية كبير الأثر على النقد الثقافي، من هذه الأصوات، عبدالعزيز مشري، الذي كان ينطلق في نقده الثقافي من مجتمعه القروي، فقد نقل الثقافة الريفية الجنوبية بكل أبعادها بأسلوب مبطن في قالب روائي جميل «4» ولم يكن مشري من الكتاب الذين يعرضون الحدث في صورة نقدية تقليدية، تشجب هذا وتمجد ذاك، بل كان يعطي القارئ صورة كاملة عن الحياة بلمسات فنية يشرك المتلقي معه فيما يدور في ذلك المجتمع، وعليه أن يميز بين ما يمكن أن يحدث وما لا يمكن حدوثه، فالبناء الميكانيكي للرواية يشتمل على آراء الكاتب النقدية.

د. سلطان القحطاني

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved