Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شوارد الطرب من حاضرة فن العرب شوارد الطرب من حاضرة فن العرب
لماذا انغلق محمد عبده على ألحانه وكيف استفاد من تجارب رصفائه ؟!!

  * كتب : محمد المصطفى الجيلي :
بالرغم من البدايات الناجحة لمسيرة فنان العرب الغنية ومن ثم ظهوره كرقم مهم وكبير في الخارطة البيانية لفناني المملكة حينها إلا أنه لم تعجبه فيما بعد فكرة استجداء الملحنين في طلب الأغاني أو لعله كان يحس في قرارة نفسه بأن ألحانهم باتت لاحقا لا تلبي رغباته الطموحة ولا تواكب فضاء فنه الرفيع.
ففضل استجداء ملكاته الخفية والمهولة في التلحين للخروج من ارتهان الملحنين ولكي يجد لنفسه خط سير يشكل من خلاله هوية مغايرة لرصفائه في الساحة. وقد كان له ما أراد ففي فترة زمنية وجيزة استطاع محمد عبده بنبوغه وذكائه ودهائه الكبير ان يجتاح بإحساسه وبما اكتسبته أذنه الموسيقية من تجارب من سبقوه، استطاع ان يجتاز قمقم التقليدية الكلاسيكية اللحنية ويقفز منها إلى مدرسة جديدة راقية بناها وشكل معالمها بمفرداته الموسيقية الجميلة وأفكاره المستحدثة في هذا المجال ليضع في النهاية شكلاً جديداً والقا فريدا لمنظور الفن الحديث عبر ما أنتجه.
وقد ذكر بعض المطربين الكبار في تصريحات حول هذا السياق بأن محمد عبده قد تخطى من زمن بعيد دائرة الابداع اللحني المتعارف عليه في الساحة فأصبح لا يقتنع إلا بألحانه لأنه وباختصار لا يوجد لحن يستطيع ان يتجول بقرب باحة ابداع ألحانه إلا نادراً. ولذلك زهد فنان العرب في ألحان الغير حتى يأتيه لحن يقنعه بغير ذلك ونخلص عموماً إلى عدة حقائق مهمة يجب التطرق لها في هذا المجال بشيء من التدقيق:
أولها: ان فهم الكلمة المجردة عند محمد عبده تمثل احساس كاتبها لذلك يجب مراعاة الحالة النفسية والاجتماعية والمعنوية... الخ عند معالجة المفردة أو الجملة الشعرية لحنياً..
والمتأمل لكل أغاني محمد عبده التي قام بتلحينها بنفسه، يجد أن تعامل هذا المبدع مع حالة المفردة الشعرية يتوافق تماما مع إحساسه الموسيقي الذي ينتهجه عند صياغة الجملة اللحنية لهذه المفردة لذلك فلا غرو ان نجد بأن الأغنية عنده تأتي على حسب انفعال الحدث بمكوناته الزمانية والجغرافية والمعنوية ومن السهل على من لديه أذن موسيقية أن يتبين ذلك بجلاء.
ولنأخذ مثالاً صغيراً لما ذكرته، في الأغنية الخالدة «مجنونها» التي أبدع في كتابتها مهندس الكلمة الأمير الرائع بدر بن عبدالمحسن فانظروا كيف جاء ترديد كلمة «مجنونها» في نهاية كل كوبليه رمزاً لتراجيديا الصراع الخفي الدائر بين انفعال المفردة المادية وبين الرؤية المعنوية لنفرة احساس الكاتب بمضامينها، وانظروا إلى كيفية تجسيد ذلك الصراع عبر الجملة اللحنية العميقة بتدرج في زيادة قوة الموسيقى وتواترها نحو الأعلى KROSHANDO وهذا المثال شيء بسيط من الكثير من الشواهد على احساس محمد عبده بالكلمة وتوافقها المذهل مع الجملة اللحنية.
وثاني هذه الحقائق ان فنان العرب استفاد فائدة كبيرة من تجارب مَنْ سبقوه في هذا المجال «التلحين» وسبق لهم التعامل معه مثل:
عمر كدرس، طارق عبدالحكيم، محمد شفيق، سراج عمر، سامي احسان، وطلال باغر وآخرين، وأخذ منهم في فترة وجيزة سر المهنة لأنه كان دائم التلصص - إن جاز التعبير - على كل جملة موسيقية ويسترق السمع الى كل ما هو جديد ويختزله بداخله ليختمر ومن ثم يضيف إليه احساسه الشخصي ليجيء في النهاية حاملا هوية تحمل سمات احساس مغاير لأصول الحروف الموسيقية التي اختزلها محمد عبده بداخله وتحمل احساساً نشتم منه رهافة رعشة الحرف الذي اجتره فنان العرب.
ونتبين ذلك جليا في كل لحن خرج به إلينا محمد عبده منذ بداية تجربته في مجال التلحين.
كما استفاد محمد عبده كذلك من المدرسة المصرية وتأثر بها في العديد من ألحانه القديمة، كذلك استوحى بعض الحانه من جمل لحنية مصرية ودعمها بمخزونه الموسيقي الذي اكتسبه من خلال احتكاكه بالملحنين السعوديين فأخرج لنا جملا لحنية غاية في الروعة حملت هوية مزدوجة «مصرية- سعودية» لكنها توحدت تحت مسمى واحد هو الدهشة التي أبهرنا بها محمد عبده وأبهر بها جميع من استمع الى جزئيات ألحانه الخالدة.
وكمثال للحالتين أعلاه الأغنيتان الرائعتان «مافي داعي من حنانك» و«ردي سلامي».
وعموما نقول بأن محمد عبده لم يغن من ألحان غيره سوى 20 أغنية تقريبا وإذا لم تخني الذاكرة فقد غنى لسراج عمر «يا حبيبي أنستنا»، و«مرتني الدنيا»، و«حدثينا ياروابي نجد» وغنى لسامي إحسان «انت محبوبي»، و«مالي ومال الناس» .
أما طلال باغر فقد تعاون مع محمد عبده وهو ابن العشرين في «اسمع رسول أشواق قلبي» ثم «سنا الفضة» .
كما غنى فنان العرب لمحمد محسن اللبناني أغنية «خاصمت عيني» وهي من كلمات طاهر زمخشري وأجمل ألحان عمر كدرس التي غناها محمد عبده هي «ليلة خميس»، وهم، «أحلى من عقد لباس»، وغنى مؤخراً «إلا الشديد القوي» .
وقد نجح تعاونه مع الدكتور عبدالرب إدريس نجاحا كبيرا لأن عبدالرب إدريس كان يلحن باحساس محمد عبده فما ان يستمع المتابع لأحد ألحان الدكتور لمحمد عبده حتى يظن بأنه هو الذي لحنها لا عبدالرب إدريس ولعل هذه أحد الشواهد التي تجيب على تساؤلات الوسط الفني الكثيرة التي تدور في مجملها حول لماذا لا يعيد فنان العرب صدى تعاوناته القديمة بقبوله لألحان جديدة مِنْ مَنْ كان يتعاون معهم في السابق.
أما بالنسبة لتعاوناته الأخيرة مع عدد من الملحنين فقد نجح بعضهم في ايصال فكرته في التعامل مع مفردات النص بصورة بديعة وجميلة لبث طموح محمد عبده ودعته بعد ذلك لغنائها «بنت النور لناصر الصالح مثلا أما البقية فكما صرح محمد عبده من قبل فقد غناها تشجيعا للملحنين الشباب .
وهذا بالطبع لا ينفي بأن ألحانهم كانت جيدة وبها أفكار جديدة ورائعة حاول فنان العرب من خلال أدائها ان يلبسها ثوب «الرزانة» التي عرف بها عبر إصداره لكل جديد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved