دخل منزلي في جدة بعد دعوة ملحة أثناء زيارته لها في أواسط عام 1383هـ وكان خجولاً مما اضطرني إلى أن أوضح له أن الفنان لا بد أن يكون منطلقاً في حديثه وأمانيه معه الناس..
ثم رجوته أن يحكي لي قصة حياته، فأورد مقتطفات منها لملمت منها ما أنشره اليوم..
الرجل هو الذي يعتمد على نفسه في كسب عيشه وتكييف حياته، وانطلق في رحاب الحياة يصارع في ميدانها، ودخل من بابها الواسع الكبير، وابتدأ من أول السلم، وعمل كل ما من شأنه أن يجعله ضمن العاملين الشرفاء. لقد كان من أسرة كبيرة تسكن ينبع أضنى عليها الدهر فتفرق أفرادها بحثا عن العمل لبناء أنفسهم ودعم أسرتهم فوفق هو واخوته إلى انتهاج طريق الاستقامة واستقر هو في الرياض العاصمة منذ ما يزيد على عشر سنوات، وأخذ ما حصل عليه من أتعاب فوضعه في معرض للسيارات صار يديره بنجاح وعرف بأمانته وحسن معاملته فصادقه الكثيرون ونمت ثروته من البيع والشراء في السيارات المستعملة وكاد يسير إلى قمة الثراء والمال ولكن..
لكنه كان يعشق الفن يتمنى أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه أن يعزف على آلة العود، وحصل على العود، وصار ينظر إليه وبدا يحرك أوتاره يرجوها أن تتحرك لكن بدون جدوى.. فعمله يأخذ أكثر وقته وهو يرغب في أن يتعلم ولو لنفسه.
وقرر أن يتعلم مهما كان الثمن وأكب على العود يحرك أوتاره، وبعد مران طويل وسهر شاق بدأت النغمات تتراكب، واتجه يعزف الألحان العدنية، وغنى واكتشف قدرته على الأداء وشجعه زملاؤه، فأخذ يخلص للفن. وساءل نفسه.. هل أبقى على هذا القدر أم أمضى في الطريق إلى النهاية.. وكان في هذه الأثناء يحفظ أشعار الأقدمين وأغانيهم، فلمس في نفسه القدرة على إظهار ذلك الفن ولمس في نفسه الاستعداد والصبر على تلقيه.
وكان معرضه قد بدأ في الانكماش لعدم مواظبته على العمل فيه.. ومضى يسأل عن مصدر يتعلم فيه الموسيقى.
وأتاه الجواب.. لماذا لا تنضم إلى فرقة موسيقى الجيش لتتعلم الفن وتحقق رغبتك وفوراً قرر أن يبيع معرضه ويتخلى عن البيع والشراء تضحية لاشباع رغبته واخلاصاً لفنه انضم إلى فرقة الجيش وواظب حتى صار في مقدمة زملائه، وعندها وبعد مدة لا تزيد على ثلاث سنوات بدأنا نسمع يا ليل ياليل متى يأتي الحبيب.. واسأل مجرب.. ولا تغلى على المظنون.. ويا ليت من هو محاكيك.
وبرز اسم عودة سعيد ذلك المواطن الفنان الذي اتجه بألحانه إلى الايقاع النجدي للسامري والعرضة.. الذي تدل ملامحه السمراء على أنه ينتمي إلى قبيلة من خيرة قبائل الجزيرة التي تقطن على سواحل الوسط الغربي من بلادنا..
مرة أخرى إنه المطرب الفنان عودة سعيد الذي يعمل في موسقى الجيش لمدة ستة أشهر كيفية تدريس الموسيقى وتاريخها ومؤسسها..
إنه عودة الذي قدم هذه الإيام أغنية تقول: أسمر سحرني بعيوني.. سيستمع لها الجمهور ويطرب..
(إيهاب) |