Wednesday 22nd May,200210828العددالاربعاء 10 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الزازان مدافعاً عن «مدن الشعر» ويقول: 1/2 الزازان مدافعاً عن «مدن الشعر» ويقول: 1/2
أنت يا جابر «مُنْفعل» «مُتعسِّف» «مُرْتبك» بل «فوضوي»!!
نعم.. آلاف الريالات تذهب إلى حسابات أصحاب «الوجه القبيح» في الشعر!!

ليس الغرض من هذه الكتابة أن أدافع عن كتاب «مدن الشعر» فالكتاب أصبح الآن في حكم القارئ بل في حكم التاريخ فلقد مكثت في تأليف هذا الكتاب قرابة الثلاث سنوات وأعتقد أنها على الأقل كافية في ترسيخ قناعاتي في أنني قمت بما يفيد وأن هنالك جهداً بذل.
إن كتاب «مدن الشعر» قائم على النقد الأدبي تناولت فيه أكثر من 500 شخصية بالنقد ولذلك فمن الطبيعي أن ينقد وأن يقال فيه ما يقال.
إن إيماني بحرية النقد قائم على أساس فكري ومنهجي ولذلك فإنني أتقبل بصدر رحب كل ما يقال وينشر حول مؤلفاتي وآرائي ولكن السؤال الذي طرأ في خاطري: لماذا أمعن جابر في الهجوم عليّ وأغفل نقد الكتاب؟ ألا يبدو هذا غريباً؟ ما عسى القارئ ان يفيد من السخرية بكاتب اذا كان من المفترض ان يعكس ما يدور في الكتاب بأمانة ودقة؟
وإذا كان جابر يستهجن كتاب «مدن الشعر» فالمفترض أن يكون جابر على قدر من المعرفة بطرائق الكتابة العلمية ولكن جابر وكما لاحظ القارئ مصاب بعدم المقدرة على تنظيم الحجج يسود نقده الانفعال والارتباك والتعسف والفوضى الفكرية والمؤسف حقاً ان جابر جعل من نفسه رمزاً للتشويه والعبث تحت اسم مستعار والعرف الصحفي يبيح لي إهمال ما كتب والسؤال الذي يعرض نفسه: لماذا يختفي جابر وراء اسم مستعار خصوصاً أنه ليس فيما كتبه ما يدعوه لذلك والذين يتصدون للنقد - مثل جابر- يفترض أنهم لا يخافون في سبيل قول ما يعتبرون أنه حق.
أنا أعرف أن كتاب «مدن الشعر» أغضب أناساً وأثار حفيظة آخرين ولكن هكذا كتب النقد لا تعرف إلى المجاملة سبيلاً.
فالكتاب نقد أساليب الرواة ونقد الصحافة الشعبية ونقد موقف الجامعات من الشعر ونقد بيع الشعر ونقد الشعراء ولكنه لم ينهج في كل هذا إلى التجريح والتهميش والعبث.
في ثقافتنا تعتبر الكلمة أمانة ثقيلة لا بد من التجرد لحملها.
ولذلك فإن على جابر أن يتخذ سبيل الحياد في كل ما يكتب. ورغم أن جابر لا يحسن الكتابة وتخونه إمكاناته الثقافية إلا أنه لم يتردد في المبادرة بالسب تقرباً من الأخ الأكبر «الصفحات الشعبية» قاطعاً الوعد بينه وبين نفسه أن يواصل السب حتى يحل ذلك اليوم الذي يمنح فيه سمعة القبول.
علاقة الكراهية في الشعر الشعبي نشأت مع أول اكتشاف بين علاقة الشعر الشعبي بالمصلحة كان ذلك في أوائل الثمانينيات عندما بدأ الشعر الشعبي يصير إحدى وسائل الاستقطاب عند ذلك ادرك صناع ثقافة الاسترزاق أن الشعر الشعبي دجاجة تبيض ذهباً.
عندما تكون محرراً صحفياً شعبياً تستطيع أن تشيد بيتاً فخماً وتركب سيارة فارهة وينطلق لسانك في المجتمع وتتحدث مع من تريد.. هذه الإغراءات التافهة شكلت ثقافة ومزاج أولئك الذين أداروا علاقة الشعر الشعبي بالمنفعة.
فالوجه الأول لهذه العلاقة التأكيد على خدمة الشعر الشعبي وهو وجه جميل براق ولكنه يخفي وجهاً آخر قبيحاً وهو آلاف الريالات التي تذهب إلى حساباتهم المصرفية.
لقد كان الاسترزاق طابعاً للعلاقة بين الشعر الشعبي والصحافة الشعبية تمثل هذا الاسترزاق في بيع الشعر الشعبي في التغطيات الخاصة في تسويق القصائد وتسويق الشعراء وصناعة الشهرة وسمسرة القصائد وبيع الصفحات وهذا يفيض بنا إلى التساؤل عن الأمانة الثقافية التي لم يتحلَّ بها من نعتبرهم أمناء التراث الشعبي.
ولذلك فإنني أدافع اليوم كما كنت أدافع من قبل عن حركة الشعر الشعبي لأن هنالك تياراً يريد أن يبقي حركة الشعر الشعبي مؤسسة على المنفعة والمصلحة والاسترزاق. هذا التيار يسكن وسط الصحافة، إن هنالك - اعتقاداً- صار سائداً اليوم وهو أن إدارة الصفحات الشعبية يجب ان تؤسس على المنفعة وهو خطأ دفع الشعر الشعبي ثمنه لسنوات طويلة.
ولذلك حان الوقت الذي تجب فيه إعادة صياغة المنهج الشعري من جديد ولن يأتي ذلك إلا في حالة إيجاد نوع من الرقيب الثقافي من إدارة الصحيفة أو المجلة على موضوعات الصفحة الشعبية لأننا لن نستطيع أن نحارب الاسترزاق الفكري إلا بالرقابة الصارمة من إدارة الجريدة، إن التفكير السائد لدى عامة الشعبيين أن معنى إدارتك لصفحة شعبية أو مجلة شعبية أنك أصبحت واحداً من بارونات المال ولذلك فليكن شعارنا الحقيقي «القضاء على الاسترزاق الفكري».
ان القسوة التي تمارسها الصفحات الشعبية على العمل الثقافي المنظم ومحاولة الصفحات الشعبية تهميش كل عمل جاد أدى بالكثيرين إلى هجر هذا الأدب هجراً تاماً.
والتساؤل الذي نود أن نعرضه هنا: هل نقول بأن الفكر الشعري الشعبي لم يبلغ مرحلة الرشد وأن هذا الفكر لا يمتلك أدوات إدارة الثقافة وهل نقول بأن الثقافة الشعبية لم تتحرر من الفكر العرفي الاجتماعي وإلا فما معنى أن يمر أكثر من ثلاثين عاماً على الصفحات الشعبية والأفكار هي نفس الأفكار والقضايا هي نفس القضايا واللعبة هي نفس اللعبة والأشخاص هم نفس الأشخاص؟ وإذا كان هذا المقال أخذ أسلوب التعميم فليس المقصود إدانة كل المحررين الصحفيين الشعبيين بل ولا معظمهم ولكن الاستغلال الثقافي شعار رفعه مروِّجو الشعر الذين يجنون من وراء هذا الشعار آلاف الريالات.. ألا يدري أولئك أن ذلك الاستغلال البشع الذي تجري وراءه الصحافة الشعبية يأتي على حساب احترامهم لأنفسهم وثقافتهم وضميرهم وتراثهم لأن الاستغلال الذي يدفع له ضمير الإنسان ثمناً هو استغلال زائف.
في عام 1402هـ نشر الأديب الاستاذ يحيى المعلمي رأياً حول خطر الشعر الشعبي على اللغة العربية وكان ينطلق من موقف «لغوي» نسبة إلى اللغة ولقد تعرض بسبب هذا الموقف الى نقد حاد وتشويه ساخر.
وفي عام 1403هـ نشر الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس مقالاً في جريدة «الجزيرة» عن الشعر الشعبي ومدى خطورته على اللغة العربية، يقول الاستاذ عبدالله نور: إن كتابة الشيخ ابن إدريس كانت بعد مناقشة كاملة في إحدى جلسات النادي الأدبي وكنت واحداً من الحاضرين.
وبعد أن نشر الأديب ابن إدريس مقالته انهالت عليه الردود المنفعلة المناوشة المهاوشة، الردود القاسية «المتجاوزة للحقائق».
ومرةً سُئِلَ الدكتور غازي القصيبي عن رأيه في الشعر الشعبي فقال بأنه من الذين لا يرتاحون للشعر الشعبي ولا يتجاوبون مع قوافيه، فانهالت الكتابات والقصائد التي تستنكر رأيه.
يقول أحد الشعراء:


كيف القصيبي قال ذا الشعر تعبان
ويكسر الكلمات كسر القزازي
إن كان ذا رأيك فلا شك غلطان
وأنت الأديب ابن الكرام العزازي

وفي إحدى المرات نشر الشاعر الأديب حمد العسعوس مقالة يطالب فيها وزارات الإعلام في كافة الدول العربية أن ترفض الشعر الشعبي جملة وتفصيلاً قائلاً: إن العامية وكل آدابها تمثل الوجه القبيح للغة العربية الأصيلة لغة القرآن والتاريخ والحضارة وبعد أن كتب ما كتب تناولته الأقلام بألوان مختلفة من التهميش والسباب والهجاء شعراً ونثراً.
وفي عام 1404هـ نشرت الكاتبة منيرة السيف رأياً حول الشعر الشعبي فاستقبلت سيلاً من الردود الحادة فقالت معلقة على تلك التعقيبات: «لا أدري الى أي حد سنظل نقتنع بأن العنف (الحواري) والتراشق بالعبارات الساخنة والكلمات المشحونة بالتشنج هو السبيل الأفضل والأنسب لعرض أفكارنا ومناقشة آرائنا وحل معضلاتنا..؟.
هذه الظاهرة.. او هذه الحالة التي تسكننا وتقطن دواخلنا ليست ظاهرة طارئة وإنما هي قضية وراثية امتدت إلينا عبر الأجيال المتعاقبة، كما أنها ليست من الظواهر الخاصة بل هي مسألة ممتدة على مسطحات حضارتنا في كثير من الأزمنة والأمكنة.
وفي تصوري أنه ليس هنالك أي مبرر لانتهاج هذا الأسلوب اللا حضاري سوى عدم الثقة بالنفس والإحساس بالضعف في مواجهة الأشياء في وضعها الطبيعي.. ومن ثم الركون إلى مثل هذه الحالات من التوترات العصبية لإثبات الوجود وإثبات التفوق..
هذه الظاهرة من التشنج تجلت بوضوح في كل ما كتب حول مسألة «الشعر العامي».
«الصحافة» لها الحق في فتح باب الحوار في أي مسألة ترى أنها تستحق الجدل والحوار.. ولها الحق أن تعمل على تلقيح الأفكار بكل الإثارات ذات المردود المجدي ولكن ليس لها الحق مطلقاً في أن تفتح «النار» على رأي واحد وعلى شخص واحد وأن تفتح أيضا كل النوافذ لرياح السخط والتهويش..» وتتابع الكاتبة قائلة: «فمنذ أن كتبت رأياً موجزاً حول «الشعر العامي» تدافعت الأقلام وانبرى شجعان «العامية» للدفاع عن «عاميتهم» حيث ثارت «النخوة الشعبية» في رؤوسهم وراحوا يصبون جام غضبهم على شخصي «النسائي» الضعيف شعراً ونثراً وكأنني بذلك اقترفت ذنباً لا غفران له وجرماً لا سبيل الى العفو عنه أو التسامح فيه».
وتقول الكاتبة: «وأنا بهذا المفهوم لا أتخلى مطلقاً عن ماضيَّ فأنا أقبله على جميع ما فيه بل إني لفخورة به كمرحلة من مراحل الصراع الإنساني مع قسوة الظروف وقسوة العيش.. تلك المرحلة بما فيها الشعر العامي.
إذن فأنا لست ضد الشعر الشعبي أو العامي كتراث وتاريخ.. فهو سجل حافل بكل أحداث إحدى المراحل الطويلة من حياة الأجداد.
لكن ما أعنيه أنني ضد هذا الافتتان والجنون بما يسمى بالشعر الشعبي الحديث.. ففي تصوري أننا ما دمنا في عهد تثقيف وتطوير وتحضر ورفع مستوى ثقافة الناس ووعيهم والعودة باللغة إلى منابعها الأصيلة كلغة تخاطب وتثقيف.. فإنه من التناقض الواضح والفاضح العمل على تفشّي العامية ونشرها في المجتمع.. إنها دعوة صريحة إلى خلق مجتمع مصاب بانفصام الشخصية في فكره وحضارته..
ربما يدعي مدعٍ او يقول قائل: ولكن العامية هي الأكثر انتشاراً وذيوعاً.. وإن الناس يتداولونها ويمارسونها أكثر من العربية الفصحى.. وهذا كلام حق وواقع لا مناص من الاعتراف به..
والإجابة تكمن في أن انتشار العامية وتفشيها ليس بالضرورة ظاهرة صحية وإنما هو امتداد لانتشار الجهل والتخلف. وأن بقاء هذه الظاهرة واستمراريتها ليس سوى تثبيت التخلف والدعوة إلى تمكينه.
والعامية في الأصل حدث طارئ وليس أصلاً مكيناً في الحضارة العربية ولا في ثقافتنا.. وما انتشرت العامية واستفحل أمرها إلا بعد أن هبطت الثقافة العربية وانتشر الجهل والتخلف وأصبح سمة من سمات هذه الأمة في عصور انحطاطها وضعفها المتتابع حتى اليوم.
إذاً فإنَّ ما أريد أن أؤكده هو أنه لا يوجد في العالم بأجمعه حالة من حالات الإشكال في التخاطب كما هو موجود لدينا فنحن نمارس طريقتين مختلفتين بل متناقضتين في التخاطب ندعو الى هجرهما ونبذهما بشدة أيضاً..
ربما يبدو للقارئ أن في هذا القول مبالغة أو شيئاً من المبالغة ولكنها الحقيقة التي لا مهرب منها ولا سبيل إلى تجاهلها ودعوني أوضح هذه النقطة بالذات فيما يلي:
منذ نعومة أظافرنا ونحن نتعلم ضرب زَيْدٌ عَمْراً والويل لنا لو رفعنا عَمْراً ونصبنا زَيْداً بمعنى أنْ ننصب الفاعل وأن نرفع المفعول منذ السنة الرابعة الابتدائية وحتى آخر يوم في المرحلة الجامعية وما بعدها أي لمدة اثنتي عشرة سنة قابلة للزيادة ونحن نتعلم أصول اللغة العربية وفروعها - أي نتعلم كيف نتكلم اللغة العربية السليمة- والويل كل الويل لمن أخفق في هذا الفن من فنون المعرفة فكم من طالب قطع دراسته أو طرد وحكم عليه بالجهل الأبدي بسبب إخفاقه في اللغة وعدم إلمامه بوسائل الاعراب والصرف..
وهكذا ايضا نحن في مكاتباتنا الرسمية ومقرراتنا الدراسية ومؤلفاتنا الدينية والعلمية والتاريخية والأدبية الخ.. نتحرز ونتحفظ من أي مزلق لغوي..
وهكذا نحن أيضا في أحاديثنا الرسمية نلتزم كل الالتزام بأصول اللغة بل نتتبع هفوات المتحدث اللغوية ونسخر به ومنه كل السخرية إذا وقع في شيء من تلك المحاذير وكم من متعلم كبير «كمعظم الدكاترة» يتصبب عرقاً وتضطرب أعصابه بسبب خوفه من الخطأ.. أو بسبب الوقوع فيه إذاً فالخطأ هنا عيب مشين لا يرتضيه الذوق ولا ترتضيه الثقافة.
عبد الله الزازان

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved