إن حقل التربية والتعليم العربي، تلقى عليه اليوم تبعات تنوء بالأساطيل البحرية.. والحقيقة أن المسؤولية مشتركة بين العديد من الجهات التي نلاحظ استقلاليتها، كالقائمين على الفضائيات ومديري الحوارات على الشبكات العربية، وقبل ذلك كله الأم التي ترضع، كان من المفروض أن ترضع ابنها اللغة كما ترضعه لبناً.
* إن القول بأن اللغة العربية لا ترقى إلى درجة التداول اليوم، استناداً إلى صعوبتها كما يقال، أو باسم ظاهرة الأمية المتفشية في العالم العربي، لهي أسباب واهية.. ذلك أن التشبث بمقولة الأمية يسقط بما نلحظه من استيعاب العامة لخطب الجمعة، والخطب الرسمية والخطابات التشريعية من عقود زواج وبيع وشراء وغيرها.. وأما القول بتعقد الفصحى، فإنها أيضا حجة داحضة، ذلك أن العربية استطاعت عبر تاريخها أن تثبت أمام أكبر موجة من موجات اللحن منذ القرن الأول الهجري، وإنها لتستوعب بما حباها الله من ميزات كل لغات أولائك الداخلين في الدين الجديد، وما جواز قراءة القرآن على سبعة أحرف إلا مظهراً - في رأينا - من مظاهر هذه الليونة والمرانة التي للعربية، إلى الحد الذي أتقنها الغرباء عنها، ودونوا فيها المصنفات، التي اختص بعضها في ما هو متعلق بالتقعيد لها.
* إن ثقافة التكوين المكي الأول، التي تحققت في السنين الأولى من البعثة، لهي الحصن المنيع الذي حمى ثقافة المؤسسة والدولة في المدينة المنورة، وأمن لها الاستمرار، ذلك أن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وجد في هذه الثقافة التي رسخها في أصحابه رجالا قادرين على القيام بأعباء الدولة، جامعين بين المسجد والسوق في غير تنافر ولا ازدواجية، فقيم الدين القويم هي الفصل والحكم في الأمور كلها المعاشية والمعادية؛ مما سهل عليهم تكاليف الحياة، ووقاهم شر ما بعد الممات، وتلك هي المعادلة التي عجزت على تحقيقها الفلسفات الوضعية والخيالات البشرية، التي تنوعت مسمياتها من اشتراكية ورأسمالية وليبرالية وعولمة وغيرها، مما سيطلع علينا في أيامنا القادمة وأزماتنا المقبلة!
1 - ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، بيروت، 1979، ج1، ص123.
2 - صحيفة الحياة (اللندنية)، الخميس 12 يوليو 2001 الموافق 21 ربيع الآخر 1422هـ، العدد 13997، الصفحة الدولية.
3 - المرجع نفسه، الجمعة 20 يوليو، 2001 الموافق 29 ربيع الآخر 1422هـ، العدد 14005، ص1.
4 - المرجع نفسه، الثلاثاء 10 يوليو، 2001 الموافق 19 ربيع الآخر 1422هـ، العدد 13995، ص1.
5 - المرجع نفسه، الاثنين 23 يوليو 2001 الموافق 2 جمادى الأولى 1422هـ، العدد 14008، ص علوم وتكنولوجيا.
6 - محمد عابد الجابري، مسألة الهوية والعروبة والإسلام والغرب، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1997، فصل العرب والعروبة في المرجعية النهضوية، ص36-43.
7 - الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: روح الحضارة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1992، ص19-20.
8 - ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، لبنان، بيروت، 1979، ج1، ص106-107.
9 - عبدالسلام المسدي، العولمة والعولمة المضادة، ط1، كتاب سطور، مصر 2000، ص289-290.
10- هذا العمق التاريخي للغة العربية، جاء في تعليق تلفازي، بعد منتصف ليلة الأربعاء - صباح الخميس - 11/6/1422هـ عبر قناة الجزيرة، في برنامج: تطوير اللغة العربية، قدمه: فيصل القاسم - في الاتجاه المعاكس - وشارك فيه: رفيق روحانة من لبنان، نصر الدين البحرة من سورية.
|