متى تلحقون بأطراف الطيوف وهي تمرق بالأحلام؟
ومتى تصِلون إلى فلوات الأحلام وهي تحطُّ فوق أديمها المنبسط في انتظاركم؟
كان هذا هو هاجس الطَّامحين إلى العُلا...
لذلك كان الشاعر العربي لا يرضى من الأمكنة بأدناها ولا أضيقها، ولا من العيش أزهده ولا كفافه...، ولا من النعم إلا أطيبها وأكثرها قوة وفروسية...
من هنا كان العربي له الصدر دون العالمين أو القبر...
وبمثل ما كانت أساطير الشعوب في الطيوف ومواقع الأفلاك، وأجرام السموات، ومواقع «التَّحريك» للنور، وللماء، وللجمال، وللريح، وللحب...، وللشر... و..... لأيِّ شيء من مظاهر الظواهر الطبيعية في الإنسان وغيره من الخلائق...
كانت أساطير البطولات، وكرَّها وفرِّها، ومصارعة سكان الصحاري، والغابات الموحشة بين مفازات الفلوات، وفي أديم الأراضي الخلاء، وعلى رؤوس الجبال، وبطون الأودية، فراسة القارئ لمسام التراب فوق الأرض، ولخطوة الدعس في مثارات الآثار لعبور كاف، وبقى..، من هنا تلثّم العربي من العاصفة، لكنَّها أمام مواجهته كانت تعود أدراجها إلى قلب الغيب، وفضاء الانتهاء... كانت أحلاما عليا....
وكانت إمكاناتٍ متواضعة؟
ومع ذلك تمجَّد العربي بتأريخه، وتأرَّخ التأريخ بمجده هذا الذي لا ينطق إلا جلاءً، ولا يضمر إلاَّ نجاحاً... تتسابقه أمانيه، ويسابقها بهواً وانتشاءً بانتصاراته على بيئته التي منحته فأدرّ عليها بما وهب..
أما الآن...
فالناس تمضي في روتين تتسابق من أجل الفرد في شخوصها لا من أجل الكلِّ في أمَّتها...
والأقدام لم تسجل خطوات الجماعة، بل ظلت قدمان في مهب الازدحام، وفي وسط اكتساح الماديات وضغوط الازدحام!!
وضاعت الأحلام الشاسعة ، وتمزقت الأماني العليا...
وفردية المُضي لم يترك في اعتساف الإنسان لزمنه ومضامينه أن يصنع له صدراً دون العالمين... ففتحت فاغرة أفواهها القبور...
وحسبي أراها الأرض وكأنَّها القبر الكبير يفتح فمه على مصراعيه كي يلتهم وما أظنه التهم شيئاً أكثر ممَّا التهم الآمال والأحلام والمشاعر وترك الناس هياكلَ من لحم وعظم.
|