Tuesday 21st May,200210827العددالثلاثاء 9 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مدن التماسيح (3) مدن التماسيح (3)
د. عبدالرحمن بن حبيب

وقال الصهدي بأن الحملة ستتضمن توزيع نشرات توعوية سيتم توزيعها من قبل منسوبي الدفاع المدني بالمحافظة عند تقاطعات الطرق والإدارات الحكومية كما سيتم تنظيم مسيرة بمشاركة عدد من الجهات الحكومية لتعريف المواطنين والمقيمين بأهمية السلامة.
من ناحية أخرى يرعى سموه مساء اليوم حفل تكريم المتقاعدين والمعلمين المتميزين لهذا العام وذلك على مسرح إدارة التعليم بمحافظة الخرج.
ذكر ذلك مدير تعليم البنين بمحافظة الخرج محمد بن عبدالعزيز الفواز الذي أعرب عن شكره وتقديره لسمو محافظ الخرج على رعايته الكريمة لهذا الحفل، وأشار الفواز إلى أن البرنامج سيتضمن حفلاً خطابياً بهذه المناسبة وتقديم شهادات ودروع تذكارية للمكرمين.
حدثني القروي الفصيح عن يومه الثاني وانضمامه لدورة تدريبية في المدينة المتضخمة، فقال: حين أتلفني الانهاك وبلغ الجوع مبالغه الفاتكة، طفقت متوجها إلى المطعم، وحين تحسست جيوبي لم أجد غير بقايا حبِّ بطيخ فقد سُرقت محفظتي، وأصبحتُ كما قال المثل «ضايع وأخذ المرض عيونه» لكن وجدت بضع دريهمات بقين في جيبي، قلت تكفي لإطعامي أياماً عدة، فسوف أتعشى فيما يروى عن مطاعم المدينة الراقية.
وحين أبصرني زميل قديم وعرف حكايتي، قال دع عنك مطاعم المدينة فإن دريهماتك لا تفي بالغرض، فإذا الجوع في بطنك طقطق فلا تذهب للمطعم ولا تكن أخرق، وحتى إذا كان منزلك بعيداً وأملق، ومحمل التموينات قد أغلق، صم يومك ذاك فالصوم أصدق. فأصحاب المطاعم الراقية دهاة حاذقون، فقبيل أن تصدح بطلبك يغيرون عليك بقائمة أصناف طعام لا قبل لك بأكلها، ولكن الجوع يعميك، فمن المشويات لحوم وأسماك وطاووق شيش، وطير مسلوق عليه الريش، وخبز ورز وعيش، وسلطات كأنها البرسيم والحشيش، والنادل فوق رأسك كأنه من حرس الجيش، يحك راحة كفه اليمنى منتظراً البخشيش، وفي الخاتمة تشبعك المقبلات والمرق، ويسلب مالك بقيمة زاد لم تذق، وتظن أنك أكلت عن مائة أشعب، رغم ان قوامك نحيل مستدق المنكب.
قلت: لابد من غسل ماء الوجه واستدانة الحصان مثلي من بعض الحمير ممن أعرفهم، فهذه مدينة تماسيح قاسية، فكما قال أبو أحمد كاتب الأمير الساساني:


لو الفرس العتيق أتى بخارى
لصار بطبعه فيها حمارا

فكان أن هاتفت جمع معارف من أقرباء وصحب قدامى لمساعدتي في هذه الضائقة العابرة، ولكن لا طائل من كل ذلك، فمن معتذر ومن متجاهل ومن عرقوبي الموعد. وحين أمضني الجوع، قررت العودة لقريتي البعيدة متمثلا قول المتنبي، إن لم تخني الذاكرة الجائعة:


إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون اللحوم
فطعم اللحم في خبز حقير
كطعم اللحم في رز عظيم

وحالما هممت بالمغادرة وجدتني أمام صاحب ودود همام، ومن بلاد أشاوس كرام، وكان منه أن جرني جراً إلى منزل يشبه الخيام، أو كما قال الشاعر:


ودار خراب بها قد نزلت
ولكن نزلت إلى «السابعة»
فلا فرق بين أن أكون
بها أو أكون على القارعة
وأخشى بها أن أقيم الصلاة
فتسجد حيطانها الراكعة
إذا ما قرأت «إذا زلزلت»
خشيت بأن تقرأ الواقعة

ولكن دار الكريم قصر منيف. قال أنا أتصور جوعاً، فكيف شهيتك للعشاء؟ قلت: لم أعد أرى الكون غير شواء وقطعة خبز! فجلب لنا الطعام، وما كان سوى أكوام من البيض، وأخذ يلح علي بالبيضة تلو البيضة، وأنا التهمها بالجرعة تلو الجرعة، وأحمد له صنيعه الحاتمي، إلى أن امتلأ بطني وغصصت فلم أقدر على التنفس، حتى أشرفت على الهلاك، فأسرعت إلى النافذة المكسورة أغرف من ماء الزير وأتلقى الريح علّها تساعفني. وبعد أن بضت عدة بيضات من فمي، استرددت أنفاسي. فقلت: لا بارك الله في بيضك، كدت تصرعني يا رجل؟ قال: كنت تشكر فعلي وأراك الآن تشتمني؟ قلت: عفوك، هذا قولة المثل «جعل سيف بالجنة.. جعل سيف بالنار»، قال هذه الليلة ونهار غد ليس لدينا سوى البيض.
ومع باكورة الصباح، هبَّ مضيفي كالحصان وقال مجلجلاً سنعد الفطور، قلت: اخفض صوتك، لا يسمعك فقراء الجيرة فيظنون بفطورنا الظنون، إنما هو بيض ثم بيض، لم يبق إلا أن نكاكي. ثم تذكرت فطور أمي وفولها المدمس، فارتجلت شعراً أظن عنترة بن شداد سرقه مني:


ولقد ذكرتك والغيوم نواهل مني
وبيض البط يقطر من فمي
فوددت «تلعيط» الصحون لانها
لمعت كبارق فولك المتدسم

قال : أتهزأ بفطوري يالئيم؟ قلت: قلت إنما هو هذيان فلا تغضب، وسأنشد مدحاً وغزلاً، وأطنابا في فطورك الفخم، لا يصل إليه حتى جرير بن عطية.. ثم استقمت واقفاً، وصدحتُ:


جاء الفطور ولو طوعت «ما جانا»
وقطَّعوا من حبال الحلق أقرانا
ما كنت أول غصَّاص أخي جوع
هاجت له غدوات البيض أحزنا
يا أم بط جزاك الله مغفرة
ردِّي بربك حلقومي الذي كان
إن الصحون التي في طرفها بيض
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وقلت له: إن بيضك لذيذ لذاذة، قال: لا فض فوك فأنت فذٌّ فذاذة، لكن انتبه لمخارج فمك من الرذاذة، فما أكلته نثرته في وجهي قذاذة، قد أقرفتني يا هذا، فلا تقل شعراً، بعد اليوم هذا.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved