أخذت الدولة السعودية بكل وسائل العصر المادية، وتقنياته المتطورة، وأساليبه الإدارية الحديثة، وسخرتها في خدمة أهدافها العليا وخططها الإنمائية، فحققت منجزات حضارية عظيمة في مختلف جوانب الحياة مع التمسك بثوابتها الدينية وأسسها الشرعية التي قامت عليها بوصفها بلاد الحرمين الشريفين، فاستطاعت بذلك ان تحافظ على هويتها الإسلامية وخصوصية المجتمع السعودي الذي يعد قدوة للمجتمعات الإسلامية الأخرى في التمسك بعقيدة الإسلام الصافية وما ينبثق عنها من شرائع سامية وآداب رفيعة.
وقد استطاعت هذه الدولة المباركة بتوفيق من الله عز وجل أن تنجح في تحقيق هذه المعادلة الصعبة (تحقيق التنمية + المحافظة على الهوية = دولة متميزة) من خلال تمسكها بالكتاب والسنة وتطبيق الشرع الإسلامي في شؤونها المختلفة، ومن أبرز ملامح ذلك: إقامتها للقضاء الشرعي، وتنفيذ أحكام الله عز وجل، ورفع المظالم، ونشر دعوة الإسلام في أنحاء الأرض، وإظهار شعائر الملة، وإعلاء كلمة التوحيد، وإقامة فرائض الدين ومن ذلك تطبيقها لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال جهاز مستقل مختص بالحسبة وشؤونها يرتبط مباشرة بولي الأمر، انفردت به دون غيرها من الدول، وقد ساهم هذا الجهاز مساهمة حقيقية في الحفاظ على خصوصية المجتمع السعودي، وحفظ كيانه العقدي والفكري والأخلاقي، وصيانته من البدع والمنكرات الظاهرة، والسلوكيات الوافدة، المخالفة لتعاليم الإسلام وآدابه السمحة.
وبالإضافة الى ذلك فقد تميزت المملكة بعنايتها بعلوم الشريعة ومناهجها في مختلف مراحل التعليم، وبتوفيرها للعلماء والقضاة وأهل الحسبة والدعاة واحترامهم ووضعهم في المكانة اللائقة بهم، وهذه من سمات مجتمعنا السعودي الشرعية التي يتميز بها عن غيره من المجتمعات، ومن سماته الشرعية كذلك منع الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم في التعليم والعمل والأماكن العامة والمنتزهات وفي الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية، الأمر الذي حمى المجتمع من مفاسد الاختلاط وشروره التي حذرت منها نصوص الشريعة وأكدها الواقع في البلدان التي سمحت به فانزلقت في الفتنة ومستنقع الرذيلة وتزايدت فيها معدلات الجريمة وخصوصاً في المجال الأخلاقي.
وقد نجحت تلك التيارات ومازالت تحقق نجاحاً في كثير من بلاد المسلمين نتيجة تبنيها من قبل بعض ابنائهم خصوصاً اولئك الذين انبهروا بثقافة الغرب البائسة، وأعجبوا بحضارته المادية، ثم حين تقلدوا المناصب القيادية وتولوا تشغيل أجهزة الإعلام ومؤسسات التربية والثقافة في مجتمعاتهم، استخدموها في تحقيق اهدافهم والدفع بتلك المجتمعات الى حياة أقرب ماتكون الى نمط الحياة الغربية في كثير من الجوانب بدءاً بالاقتصاد والسياسة ثم أخيراً جوانب الفكر والثقافة والنواحي الاجتماعية، ومعروف ان الغرب يعيش ازمة في هذه الجوانب بالذات، وانحطاطا اخلاقيا وقيميا مهولا، وينطلق في حياته من اساس فلسفي يتعارض تماماً مع عقيدتنا الاسلامية ومنطلقاتنا الشرعية.
ويبرر هؤلاء «المثقفون» الذين يُروجون لحضارة الغرب نشاطهم المتواصل وجهودهم الحثيثة من اجل علمنة المجتمع المسلم، والابتعاد به عن شريعة ربه عز وجل بأن ذلك هو طريق التقدم واللحاق بركب الحضارة الغربية، وأنه السبيل الوحيد لمسايرة العصر، والتأقلم مع ظروفه السياسية والاقتصادية، ومع متطلبات الانفتاح والعولمة، وكل هذه حجج وتبريرات واهية، واضح فسادها وأكبر دليل على ذلك ان جهودهم تلك لم تجلب للأمة سوى مزيد من الذل والهوان، ومزيد من التدهور والتبعية، وأصبحت كثير من مجتمعاتها بدون شخصية واضحة، وهذه نتيجة التقليد الأعمى ومحاكاة الآخرين.
* وهذا حال المنافقين: محيرين بين الإيمان والكفر، فلاهم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً، ولاهم مع الكافرين ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل الى هؤلاء وتارة يميل الى اولئك، وقد أخرج مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العاثرة بين الغنمين، تعير الى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولاتدري أيتهما تتبع (المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير للمباركفوري: 323ـ334) قال ابو بكر الجزائري: مذبذبين: أي يترددون بين المؤمنين والكافرين فأي جانب عز كانوا معه.. فهم في تردد وحسرة دائمون، وهذه حال من يضله الله فإن من يضلل الله لايوجد لهدايته سبيل (أيسر التفاسير 1/560ـ561).
* طالب دراسات عليا بالمعهد العالي للقضاء بالرياض |