علينا أن نفكر ونتمعن بشكل جاد في الخطوات التي أعقبت المذابح الكبرى في فلسطين ونهر الدم الغزير الذي مازال يجري يغذيه شارون يومياً بعشرات القتلى والجرحى الذين يتركون ينزف دمهم حتى الموت لأن هذه هي غاية المذابح وهدفها «الإبادة الشاملة» لأبناء الشعب الفلسطيني وخنق طموحاته نحو الاستقلال عبر مقاومته الباسلة ومواجهته الشجاعة للعدوان الإسرائيلي المدجج بأعتى وأعنف الأسلحة الأمريكية وقاذفات القنابل والصواريخ النارية المهلكة تحرق أجساد أبناء فلسطين بشكل جماعي لم تسلم منه أية أسرة في الأرض المحتلة التي قتل أو شرد أفرادها وجرفت المزارع ومصادر الغذاء ودمرت بيوتهم فتكت بها البلدوزرات ولا زالت وسط الصيحات والانكسار النفسي والدموع تسكب غالية من عيون الأطفال والنساء، وقضى العدو الشرس الباغي على كل مقومات الحياة لأبناء الأرض المحتلة ووسائل بقائهم وكيانهم الصغير المتواضع، والآن يهيل «العدو» أيضاً التراب على كل ما مضى من عنف دموي صهيوني ومجابهة فلسطينية خارقة لأسلحته الفتاكة وتعاطف دولي بدأ يكبر ويتفاعل ويتفهم روح القضية وطبيعة المأساة ونكبة الاحتلال، إن المحتل يريد تجاوز جرائمه النكراء ويدعو لمؤتمر سلام، فيا لخيبة الأمل، نتكبدها ولا يدفع العدو ثمن مجازره بل يطلب مكافأة عليها بمؤتمر استسلام يبارك تلك الجرائم ويخدر القضية ويذهب بها إلى متاهات لا يعلم إلا الله مداها؟
***
كان علينا ولا يزال الاستفادة من نقاط القوة التي حققها الجهاد الفلسطيني في مزيد من الضغوط الدبلوماسية والإعلامية على العدو.. واستثمار التعاطف الدولي غير المسبوق.. الخروج من هذا الجمود الإعلامي والدبلوماسي العربي الذي لم يواكب معركة مقاومة الاحتلال عبر الانتفاضة الكبرى، لكن لم تتحرك الوفود من الجامعة العربية تجوب العالم لفضح إسرائيل والعمل على المزيد من كشف قناعها الزائف وأكذوبة أحقية وجودها على أرض ومقدسات فلسطين الإسلامية وخطرها على السلم العالمي كله، وليس على الأمة العربية والإسلامية فقط، كان علينا أن نقدم للعالم صور المذابح والقتل الجماعي وجريمة مخيم جنين، كان على السفراء العرب في كل عاصمة أوروبية أو آسيوية وغيرها «أن لا يظلوا على الكراسي في مكاتبهم الأنيقة والمكيفة» ليتحركوا بفاعلية يساندهم وزراء الخارجية العرب بعمل دبلوماسي إعلامي مدروس ومكرس ومكثف لكن مع الأسف أصبحنا كالمذهولين نتفرج فقط على إفرازات الإجرام الصهيوني ونتاج حقده الأعمى على الشعب الفلسطيني وصيحات الغضب الكبرى ضده في بعض العواصم الأوروبية والعربية أيضاً لم نستثمرها لا في الداخل ولا في الخارج وليس من الواضح معرفة «الحكمة» أو المبرر لهذا الصمت الرسمي العربي تجاه العدوان وخذلان المقاومة الفلسطينية بينما هذا هو المناخ والفرصة المهمة لدعم هذه المقاومة واستثمار بطولاتها أمام همجية العدو وجرائمه الوحشية عبر جهد دبلوماسي وإعلامي عربي كبير مثمر ومؤثر، لكننا نمنا على الضيم وتفرجنا على العدوان كما يتفرج عليه من لا تعنيه القضية إلا من الجانب الإنساني المتعاطف مع الشعب المقهور والكاره للسفاح شارون وعصابته الباغية أعطيناه مفاتيح وليس مفتاحاً واحداً فقط للانتصار والزهو وشفي غليله وتعطشه للدماء.
***
إن إسرائيل لم تتمادى في عدوانها لو لم تدرك طبيعة الساحة العربية وتتأكد من عدم رد فعل عربي حازم للجم عدوان شارون وبربريته.. إن الدول العربية على تخوم إسرائيل إن لم تدخل في حرب رادعة مناصرة لفلسطين، وهذا ما استقر في ذهن العدو وشجعه على ارتكاب المجازر والمذابح، فإن العمل الدبلوماسي والإعلامي سيحقق نتائج كبرى ويساند شهداء الانتفاضة وأهدافها النبيلة والحيوية.. هل كثير أن تنعقد قمة إسلامية؟! وإذا لم تنعقد في مثل معطيات هذه المحنة الكبرى والتحدي والصلف الصهيوني تجاه الأمة العربية ودلالاتها الخطيرة فمتى تنعقد؟
***
والتساؤل المحير هو: هل ظروف ودواعي انعقاد قمة القاهرة في الأشهر الأولى للانتفاضة أحرج من المواجهة الدموية الحالية الموغلة في العنف والاستهتار بدمائنا والسخرية منا كأمة عربية وإسلامية؟ تجاور العدو وتعيش وتشاهد هذا العدوان فلا تعمل شيئاً مجدياً وفعالاً لنصرة الضحية ضد الجلاد الصهيوني؟
وجاءت قمة بيروت لتقدم مبادرة سلام كانت بمثابة مخاطبة مجنون بلغة العقل.. لم ير في هذه المبادرة السلمية إلا إمعاناً في عدوانه والمضي في الإجرام الأعمى المدمر الذي تشيب منه الرؤوس وتدمي القلوب وتنطلق اللعنات على السفاح شارون حتى من النطف في الأرحام. لم ير شارون أي رد فعل عربي حازم بل مبادرة سلام تحداها وهزأ وسخر منها وكان رد فعله الطلب إلى العرب أن يجتمع مع قادتهم خاصة قادة السعودية ليكمل مهزلة تليفزيونية وإعلامية تنفرج خلالها ابتساماته الصفراء في مشهد مضحك مبك أمام العالم أجمع، لكننا يجب أن نكون أكثر صلابة وأبعد نظرا بحيث لا تمس يد عربية يد السفاح شارون الملطخة بدماء الأبرياء.
|