Friday 17th May,200210823العددالجمعة 5 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مقالة مقالة
براعة الاستهلال
أحمد المطرودي

عندما أراد المتنبي أن يبارك لممدوحه وصديقه سيف الدولة بمناسبة أحد انتصاراته اندفع رافضاً تلك المطالع البالية متمرداً على نمطية سيطرت ويراد له الاستمرار والبقاء.. فتجلى إبداعاً عندما هتف قائلاً:


على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم

فهذا المطلع المتفرد تجربة وإبداعاً صالح للاستشهاد به في أماكن وأزمان ومواقف حياتية عديدة، بما في ذلك اعتباره دعاية فارقة وموفقة لمنشأة تجارية، وذلك لان ابا الطيب استجمع قواه ليجعل من تعبيره ومدخله الشعري صورة صادقة ومصغرة لما يعتلج في نفسه من حب للممدوح واعجاب بالانتصار مع امكانية توظيف ما قيل فيه ليقال في مسارب اخرى كثيرة.. ولذا اصبح تأريخ المتنبي لتلك المناسبة أهم منها بكثير، فالناس تذكر القول الشعري هذا وحده.. ماثل ذلك وجاراه الشاعر الشعبي البائس الذي أهدر دمه ذات مرة فاستهل قصيدة اعتذارية بمطلع مؤثر غاية التأثير جعل من حكم عليه بالويل يستسلم ويسمح مقابل حسن المدخل الشعري، وذلك عندما أجاد برغم الموقف المهيب بقوله:


ما ناض برق وهل وعل الاسهال
وانساق نوّه مثل الغيث همالِ
الرمل بالعد والاشجار والحجر
وما شاهد البدر من أنثى ورجالِ
وما خط باللوح من آدم وما محي
وجرى القلم فيه الى ما يبعث التاليِ

فهذا المطلع الموفق جعل الساخط مهيأً لسماع الاعتذار قابلا له على الأغلب قبل الفراغ منه حتى وان صاحب ذلك القبول عبارات معبرة عن الانفعال، فهي بوجه من الوجوه تعني الاستسلام. الشاعر الشعبي الآخر يحس عين الشعر عندما أراد ان يعبر عن انفعالاته وانبهاره بانتصار الجيش القليل على الأكثر عدة وعتاداً وذلك في قوله:


يا مزنة غراء نشئت من مغيبه
تبرق وترعد ساقها رب الارباب
ترمي السخط شره على من تصيبه
باركانها تسمع كما ضرب الاطواب

والأقدم تاريخياً من هذا كله بائية أبي تمام الشهيرة والتي لا تخلو من مفردات ثقافية شعبية جاءت في وصف عمورية ومنها قوله:


حتى إذا مخض الله السنين لها
مخض البخيلة كانت زبدة الحقب

فهذه المدينة ولكثرة ما عُزيت أشبهت زبدة تولت استخراجها وخضها بخيلة فهي ستبقى لبنا منزوع الدسم، لتظفر بأكبر كمية من الزبد ممكنة.
هذه نماذج حضرت في ذهني كثيراً من الحالات التي لا تحظى بقبول في مطالعها او استهلالها مما يجلب سخط الممدوح والمرجو النوال، كما حدث لذلك المسكين في قوله لممدوحه:


أتصحو أم فؤادك غير صاح
عشية همّ صحبك بالرواح

والذي جعل السباب تطال الأم المسكينة التي قد تكون بليت عظامها في ذلك الوقت.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved