Friday 17th May,200210823العددالجمعة 5 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

قصة قصيرة قصة قصيرة
تجرّ قدميها كعادتها!!
أبو عبدالله عايض القحطاني

أحلام فتاة جميلة.. تعلم أطفال الحي بالمدرسة الابتدائية الواقعة على بعد خطوات من منزلهم، لقد ناهزت الثلاثين ولازالت حائرة بين سندان أمها العجوز ومطرقة أبيها المسن فأضحت سجينة بين أطلال عمريهما الآيلين للسقوط.. ذات يوم كانت جالسة بين أمها وأبيها وفي خضم الحديث ومعمعة الكلام جف بحر صبرها وفاض مكنون محيطها فانتفض قلبها مرفرفاً فلمع عقلها ثائراً محاولة نطق كلمة علقت بأوتار صوتها متشبثة وحالت دونها شفتاها المرتعشتان خوفاً من صدى تلك الكلمة ان يعود إلى قلبها الدامي غارساً خنجراً، استجمعت قواها تتنحنح ولم تكد تنفرج أساريرها بزفرة عميقة مرقت كسهم حاد من قوس راميه لاهثة: أبي.. حتى بلعت ريقها مهمهمة برعشة: أبي أما من عصفور ضاحك يملأ البيت صباحاً وعشية بموسيقاه الشجية، همدت أمها في مكانها متخشبة صمتاً فيما أصغى لها أبوها ونار جوفه خامدة وأضافت: ويعطر الهواء بأنفاسه.. فقاطعها والدها: غريبة!! لقد كبرت يا ابنتي وولى زمن طفولتك!! لم أسمع البتة بهذا العصفور الضاحك؟ وردد في نفسه: أحلام تريد الزواج!! يا لها من طفلة مندفعة.. شعرت بوخزة تخترق شغاف قلبها المشوي بحرقة الألم وأكدت: نعم.. أحلم بعصفور ينثر البهجة في أثير أطلالنا. حل مساء ذلك اليوم فألبس الدنيا ثوبه الأسود البهيم عاماً بصمته آفاق الكون فانجرفت أحلام وراء الأحلام يجرها حبل فكرها المنقاد وراء غياهب الأماني حتى غطها نوم عميق ولم تفق إلا على صوت أمها لصلاة الفجر، ولما أعدت طعام الافطار سألت أمها: أين أبي؟ فردت: لقد ذهب لجلب بعض الأغراض، وأثناء ذلك سمعت طرقاً على الباب فهبت باتجاهه فاعترضها صوت أمها طاعناً في السنين: مهلاً.. رويداً يا بنتي حذاري من السقوط فلا ندامة في التأني ولا فائدة في التمني فوصلت أحلام الباب سائلة: من الطارق؟ فنفذ صوته الهرم عبر الباب الخشبي يئن عبر الزمن: والدك.. لقد أحضرت مفاجأة لك.. فتحت الباب وناولها قفصاً معدنياً صغيراً فالتقفته معانقة والدها بحرارة وانصرفت على عجل إلى غرفتها ووضعت القفص في أحد أركانها، ألقت بجسمها فتردى على السرير مثل كفن جثمان متخيلة دائماً انها تعانق إحدى زهرات زينة الحياة الدنيا، رمت بنظرها على أرجاء الغرفة فاصطدم بدفاتر الطالبات وأدوات الشرح مرتداً إليها ناكئاً جرحاً غائراً دمه دفيئ دائماً فحدقت في القفص فإذا به طائر ببغاء حبيساً يشدو بأعذب ألحانه جذلاً وبأجمل ألوانه زاهياً فاغرورقت عيناها بالدموع. مرت الأيام وهي تسلي نفسها بمثيلها السجين وتحادثه علها تجد فيه ما يعزيها.. في صباح أحد الأيام أقبلت تجر قدميها كعادتها واستودعت آخر قبلتين على خد أمها وجبين أبيها ثم أغلقت باب المنزل بلا رجعة متهجة إلى مدرستها.. ولما انتهى الدوام عادت إلى البيت عابرة الشارع فسالت روحها سالكة طريق الدنيا الآخرة.. ولازال قفصها المفاجأة معلقاً في سقف مدخل المنزل والببغاء يردد مرحباً بالمعزين: أحلام تريد الزواج.. أحلام تريد الزواج.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved