Friday 17th May,200210823العددالجمعة 5 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الخطوة الأولى الخطوة الأولى
ولدت ميتة.. وعاشت
جميل فرحان اليوسف

ولدت وولد الهم معها والشقاء.. ولدت على وجه هذه الدنيا البائسة، واطلقت صرخة احتجاج قوية، صرخت بكل قوتها الواهنة في أول لحظات بؤسها وعالمها الحزين.. أطلقتها نبرة حزينة خائفة.. إلى أين جاءت بي الأقدار؟ إلى أين؟ هل إلى ليل سرمدي سأعيش بين جنباته، وأظل أعد نجومه الباكية، رثاء لحالي كل يوم؟ أم إلى أمواج جارفة من نظرات باتت تتعمق في أقصى صدري ومشاعري!!.. لماذا سأظل ضحية أبدية، وتظل أيامي المؤلمة نهاية قصة أبدعت نظرات الناس في تأليفها وتمثيلها ببطولة على خشبة مسرح الجريمة والخيانة..
نعم.. انها مسرحية، بالتأكيد هي مسرحية، تآمروا جميعاً على عرضها، وجعلي نهاية لقصتها المعبرة.
تأثر الناس وتفاعلوا مع من قاموا بأدوارها بجدارة، ذرفت دموعهم وتعالت أصواتهم بالبكاء.. انسجموا مع أحداث القصة وتسلسل الأفكار.. وما ان انتهت قصة الظلم والوحشية، قصة أحزاني ومصاعبي، حتى أغلقت ستائر المسرح.. أغلقت قليلاً ثم فتحت بسعادة، أتدرون لماذا؟ لقد فتحوا ستائر المسرح، كي يصفقوا لمن خطط للجريمة ولمن ارتكبها، يصفقون بحرارة، ويقفون باحترام شديد لهؤلاء فقط!! لأنهم حركوا مشاعرهم وجعلوهم يتعمقون في حركة المسرحية وتعاقب مصائبها ذهاباً وإياباً، إعداداً لولادة قلبي الحزين على خشبة مسرح عم الحزن أرجاءه، وحامت فوقه سحائب الظلم، كي تسقي أرضه بدموع هي أشبه بجمر يتلظى.. صفقوا لهم واحترموهم، خرج الممثلون من جو الحزن الذي تصنعوه، وسيطروا به على عواطف البشر، وعادوا إلى عالم من السعادة والفرح، متفاعلين مع هتافات الجماهير الغفيرة التي كانت غاضبة مقهورة حزينة أثناء تسلسل الأحداث، كلهم كانوا ينتظرون النهاية، نهاية المسرحية المؤامرة، التواطؤ على الخيانة، والتوقيع على ولادة ضحية جديدة سيظل مغضوبا عليها إلى الأبد.. وبعد ان تبادلوا التهاني وعادت الحياة إلى مجاريها، وكأن هؤلاء الممثلين لم يكونوا مجرمين قبل قليل.. انتهى خروج المجرمين على المسرح، وبدأ الهتاف يتوارى، فظهرت أنا على أرض الواقع، مرتدية ثياب الشقاء السوداء، حداداً على قلبي الذي ولد ميتاً، مطعوناً بسكاكين عقولهم التي لم تفكر بحالي عائشة بين النظرات القاسية، دون رحمة ولا شفقة.. وكأني أنا المجرم الحقيقي، أنا بطل المسرحية الذي أبكاهم طويلاً بعيشه أجواء دور الجريمة، ولكنهم هذه المرة واصلوا الحقد حتى بعد نهاية المسرحية، وتناسوا جميعهم ان ولادتي هي النهاية الطبيعية للمسرحية، ولمشاعر الحزن التي عاشوها قبل قليل.. أنا لا أريد هتافهم.. ولا تصفيقهم بإعجاب، فقط أريدهم ان يعلموا بأنهم هم السبب.. نعم هم من شجع أبي.. وأمي.. المزيفين على اتمام الجريمة!!.

سكاكا الجوف

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved