الصور الماثلة للعيان الآن في فلسطين لا تنفك تعيد إلى الذاكرة بشدة ذكرى النكبة قبل 54 عاماً، فما حدث في مخيم جنين عشية هذه الذكرى المشؤومة هو صورة أخرى للمأساة عندما نفذت العصابات الصهيونية مذابح متتالية في دير ياسين وكفر قاسم و418 قرية آخرى ازالها الصهاينة من الوجود ما أجبر حوالي المليون فلسطيني إلى الخروج من وطنهم عام 1948م.
وفي غير جنين ما زالت الممارسات هي عين الممارسات القمعية والمذابح التي يندى لها جبين الإنسانية.
وبعد كل هذه العقود الخمسة لايزال السلام أمراً بعيد المنال، فالذين استولوا على 78% من أرض فلسطين لاقامة الكيان الصهيوني نصبوا من انفسهم مدافعين عن الارض التي اغتصبوها.
لكن اطماعهم امتدت عبر السهول إلى الـ23% التي تركوها لأهل فلسطين، ومن ثم راحوا يزرعون فيها المستعمرات ويقيمون التحصينات لتصبح هذه المستعمرات حجة أخرى واهية يتمسكون بها لالتهام بقية الأرض الفلسطينية.ومع كل هذه السرقة الدولية التي اسهمت فيها الدول الكبرى بنصيب وافر فإن الأمل الفلسطيني لايزال حياً في الصدور باعادة الأرض، وتجسد الانتفاضة الأولى والثانية هذا الأمل مؤكدة على مواصلة السعى لاستعادة الحق السليب على الرغم من كل التآمر الدولي على الشعب الفلسطيني ما ابقى جذوة نار القضية حية على الدوام.
صحيح ان الكثير من الدول تشعر بتأنيب الضمير بسبب اسهامها في تشكيل المأساة الفلسطينية من خلال اصدار القرارات باقامة الكيان الصهيوني أو من خلال تأييدها لقرار التقسيم وتشجيع الهجرات اليهودية لفلسطين، لكن الصحيح ايضا أن هذه الدول وقعت اسيرة لدعاوى واكاذيب وضغوط الصهيونية الدولية، التي اسهمت ذات تلك الدول في التمكين لها من خلال اقامة اسرائيل، وبات يتعين على الدول الكبرى الآن أن ترضخ لمرئيات وتعليمات وضغوطات الصهاينة المتنفذين في دوائر القرار في حكوماتها.هذا التمدد الأخطبوطي للصهيونية العالمية في عواصم القرار هو الذي يعرقل أي مبادرة للتسوية على الرغم من ان هذه التسوية لا تطالب باكثر من 23% من ارض فلسطين لاقامة الدولة الفلسطينية عليها.ان ذكرى النكبة التي حلت أمس ينبغي أن تحفز المجتمع الدولي على امعان النظر فيما يحدث وأن تحثه على التحرك بجدية لاحلال السلام، فالغضب الفلسطيني الذي يتأجج منذ عقود سيستمر كذلك لعقود أخرى قادمة، وليست الحرب ببعيدة اذا ما استمرت حالة التهاون الحالية تجاه حقوق الفلسطينيين.فقد حدثت ثلاث حروب كبرى بشأن فلسطين وقد تحدث رابعة وخامسة.
|