Thursday 16th May,200210822العددالخميس 4 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مساقات مساقات
مساق 148 التيار الفكري وضحاياه من الشعراء!
الدكتور/ عبدالله الفيفي

1 حكي أن الفرزدق مرّ بيزيد بن الحكم وهو ينشد شعراً، فقال: «من هذا الذي ينشد شعراً كأنه من أشعارنا؟» قالوا: «يزيد بن الحكم»، فقال: «نعم، أشهد بالله أن عمّتي ولدته»، (ينظر: الأصفهاني، (1983)، الأغاني، (بيروت: دار الثقافة)، 12: 290).
2 ورُوي أن الحجاج قال عن يزيد بن الحكم: «الحمد لله أحمده وأشكره إذ لم يأت علينا زمان إلاّ وفينا أشعر العرب». (البغدادي، (1979)، خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب، تح. عبد السلام محمد هارون (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1: 114.
من هاتين الإشارتين وأمثالهما على شحّها يستشف أن يزيد بن الحكم (105ه 723م) كان شاعراً مشهوراً في عصره، كما يصفه البغدادي (م.ن، 1: 113).
قد يقول قائل: إن شهادة الفرزدق قد لا تكون إلا بسبب علاقته النًّسَبية بيزيد من جهة أُمّ يزيد، بَكْرة بنت الزبرقان بن بدر، ثم ما قد تشير إليه قصة ابن يزيد مع جرير (الأصفهاني، 12: 295 296) من ميل يزيد للانتصار للفرزدق على جرير في الهجاء. وكما تفسد العلاقات الشخصية من نزاهة النقّاد قديماً وحديثا! أمّا شهادة الحجاج فلعلها جاءت محكومة كذلك بعلاقته القَبَلية بيزيد، فكلاهما من ثقيف، بالإضافة إلى رغبة الحجاج في أن يشنّف يزيد أذنيه (أذني الحجاج طبعا) بمديحه، وهو ما لم يتحقّق له، على كل حال. وكم تفسد العلاقات الشخصية، مع حبّ تشنيف الآذان، من نزاهة الحكّام قديما وحديثا! ومع صحة القول إن الشهادات في شعرية هذا الشاعر قد جاءت محكومة بسياقاتها تلك، إلا أنه قد كان حقًّا حريًّا بمنزلة شعرية عليا في عصره، لولا عاملين حالا دون ذلك: أولهما، مزاحمة التيار الفكريّ الحِكَميّ لديه التيار الوجدانيّ الشعريّ، ما وقف به في مرتبة متواضعة في ميزان الشعر، فهو إذن نموذج لضحايا التيار الفكري الخطابي من الشعراء، فاعتبروا يا أولي الأشعار! أما السبب الآخر، فاعتزاله الإعلاميّ، وما كان اعتزاله الإعلامي بسوى اعتزاله صراعات عصره، بالإضافة إلى مواقفه السياسية من الدولة الأموية وولاتها، وتجافيه عن المدح، فقد كان أبيًّا شريفًا في قومه، لا يتزلّف ولا يتكسّب بالشعر، كما كان بعيداً عن اتخاذ الشعر سلاحًا في ما كان الشعراء يتخذون الشعر سلاحًا فيه، من العصبيات القبلية، والمذهبيات الدينية والحزبيات السياسية، وبذلك كان أميل إلى (باب الخيريّة)، بالمعنى الذي يمكن أن يتحدّد به مفهوم المقولة الأصمعية، فإذا هو بنهجه هذا يمثّل مصداق زعم الأصمعي بلين الشعر إذا دخل في باب الخير، إذ لم تكن شعريته شعرية باب الشرّ كما كان الشعراء يخوضون فيه في عصره ولا هو استطاع أن يرتقي بتجربته عاليًا في درجات باب النضج الشعريّ، حيث يتصل التيار الفكري بالتيار النفسي، على نحو إبداعي خلاّق، ذلك لم يجنِ على شعرية ابن الحكم فحسب، ولكن على حجم الشعر أيضًا الذي وصل إلينا عنه. فلقد يستنتج من شهرة شعره بين طبقات معاصريه أن شعره كان كثيراً، غير أنه قد ضاع أو ربما ضُيّع، لا سيما لما يحمله في بعضه من مواقف من الدولة الأموية وكذا اضطربت الرواية بما تبقّى له من شعر، ومن خبر التراث عَرَف مقدار جنايات السياسة على الشعر والشعراء، إنْ تدانوا من حماها أو تناءوا!.
فكيف يتسنّى في ضوء ما تقدّم رسم تخطيط بياني بتقييم شعر ابن الحكم ؟ ستكون تلك قراءتنا التالية في المساق التالي.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved