لقد أدى هذا العدوان الشرس على الفلسطينيين إلى توعية كل شرائح المجتمع العربي والإسلامي بصلف هذا الكيان الإسرائيلي ووحشيته ودمويته وظلمه وجبروته
منذ أكثر من شهر اجتاح الجيش الصهيوني القرى والمدن والمخيمات في الضفة الغربية وعاث فيها قتلا وتدميرا ومجازر ومذابح وفسادا دون رادع من ديانة ولا من ضمير ولا من اخلاق. ان هذا هو حال من امن العاقبة، حيث إن من أمن العاقبة اساء الادب.
ان الولايات المتحدة بوقوفها الى جانب الكيان الصهيوني وانحيازها التام لها ولسياساتها بل دعمها بالسلاح شكل تراجعا حقيقيا في الموقف الاخلاقي والانساني لدى الساسة في امريكا. طالما تغنت الولايات المتحدة بحقوق الانسان ولطالما تدخلت في سياسات دول عديدة حول العالم بحجة الدفاع عن حقوق الانسان وطالما ضغطت على دول حول العالم باسم حقوق الانسان لتدفع تلك الدول بتغيير سياستها لمصلحة الولايات المتحدة ولا يهم ان تبقى هذه الدولة او تلك على حقوق الانسان منتهكة طالما وافقت الولايات المتحدة في توجهاتها وسياساتها.
ان الولايات المتحدة اليوم وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يعد الامر قضية وساطة سلام او محاولة للحل والتوفيق بين وجهتي النظر الاسرائيلية والفلسطينية وانما اصبح الامر يتعلق بالولايات المتحدة والمواجهة مباشرة مع الفلسطينيين. لم يعد هناك اختلاف في السياسة الاسرائيلية والسياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الفلسطينيين كقيادة وشعب وبالذات منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر.
لقد استغل الرئيس بوش الابن هذه الاحداث في محاولة تعميم مفهوم الارهاب ليطال منظمتي حماس والجهاد ولكن الحقيقة الواضحة من تصرفات الرئيس بوش ومساندته لشارون تقول ان هذا التعميم لمفهوم الارهاب شمل كل ما هو فلسطيني من رجال ونساء واطفال بمعنى انه شمل القيادة والشعب. وعلى هذا الاساس غدت سياسة بوش تتبلور وتسير ضمن هذا الاطار والمنظور وعمل الجنرال السفاح شارون على محاربة الارهاب وفق السياسة الامريكية.
لم يستطع بوش ان يتراجع او ينفي تلك الصفة عن الفلسطينيين وهذا مما زاد حماس شارون واندفاعه لارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين. اصبح شارون يستخدم الفاظ الرئيس بوش الابن ويقول بان ما يقوم به الفلسطينيون يعتبر ارهابا يهدد المجتمع الحضاري والديموقراطي ولذلك فان علينا محاربة الارهاب للحفاظ على المجتمعات المتحضرة يردد الساسة الامريكيون والإسرائيليون مقولة ان الاسرائيليين لم يكونوا المعتدين وانما هم في موقع الدفاع عن النفس.
ان الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي يغضان الطرف عن اسباب الهجمات الفلسطينية علي الصهاينة بل انهم يغيرون الحقائق والمفاهيم. ان كلا من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي نسي بل يود ان يتناسى كيف ان هذا الكيان الإسرائيلي يحتل الاراضي الفلسطينية منذ اكثر من 50 عاما. يتناسى الساسة في البلدين ان 78% من الاراضي الفلسطينية تشكل ما يسمى بالدولة اليهودية وان هذه الاراضي اخذت ظلما وعدوانا وبمساعدة بريطانيا والدول الغربية بشكل عام وبمساندة الولايات المتحدة بشكل خاص وذلك من خلال مواقفها السياسية في مجلس الامن التي دعمت ذلك التقسيم المشؤوم عام 1948م.
ان هذا الانحدار في السياسة الامريكية يعني ان السياسة الامريكية لم تعد احترافية وانما اصبحت تخبطية لا تفكر في الانعكاسات لهذه السياسات على المدى البعيد وانما تنظر الى نتائج هذه السياسات على المدى القريب. ان السياسة الامريكية في فلسطين اختلطت وتشوشت بمفهوم حرب الارهاب الذي شنته على ما يسمونه بالقاعدة وطالبان.
ولكنها سياسة اصبحت مكشوفة ولم تعد تعني الارهاب بأي شكل من الاشكال و انما تعني نوع من الهجمة الشرسة على المسلمين والعرب.
ومن هنا فان المواقف للشعوب العربية والاسلامية ستبدأ في التغيير تجاه السياسات الأمريكية بمعنى ان نظرة الكراهية لأمريكا وسياساتها لن تظل مقتصرة على من يقوم بالمظاهرات في شوارع الدول العربية والإسلامية وانما ستمتد الى كل شرائح المجتمعات العربية من مثقفين وساسة وغيرهم.
لقد ادى هذا الهجوم الشرس على الفلسطينيين الى توعية كل شرائح المجتمع العربي والاسلامي بصلف هذا الكيان ووحشيته ودمويته وظلمه وجبروته. ولذا فان كل انسان تسنى له رؤية تلك المشاهد المأساوية التي قتل فيها الاطفال والنساء والشيوخ وشاهد ذلك التدمير الذي تعرض له مخيم جنين الذي وصف بأنه شبيه بآثار زلزال مدمر اصبح ناقما وحاقدا على ذلك الكيان الصهيوني مما يعني رفض اي حوار مع هذا الكيان الذي لا يلتزم بعهود ولا بمواثيق. كما اصبحت الشعوب العربية والاسلامية حاقدة على السياسة الامريكية وعلي الامريكان بشكل عام اعتقد ان الشعوب ذاتها اصبحت تفكر في البدائل في الاغذية وفي الملابس من المنتجات الامريكية.
صحيح ان ذلك قد يستغرق وقتا للتخلص بالذات فيما يتعلق ببعض الآلات ولكن لا شك ان هناك توجها شعبيا للمقاطعة واعتقد انه سيكون له مردود على السياسة الامريكية. ان تصريح الرئيس بوش الابن ووصفه لشارون بانه رجل سلام كان بمثابة كارثة على مبدأ حقوق الانسان ويعكس التوجهات الحقيقية للرئيس الامريكي في قلب المفاهيم والسعي الى فرض امر واقع على الفلسطينيين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام.
ان هذا الوصف يعني القول بإن هذا هو الرجل الذي لابد ان تتعاملوا معه سواء رضيتم ام ابيتم. على كل حال اعتقد ان هذه سياسة لن تنجح ولن يتغير الوضع كثيرا في فلسطين المحتلة ربما استراحة محارب للعودة للكفاح المسلح في حالة رفض الصهاينة للكفاح السياسي الفلسطيني وستجني الولايات المتحدة والكيان الصهيوني كرها عميقا لدى مليار مسلم.
|