Wednesday 15th May,200210821العددالاربعاء 3 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

صحافية أمريكية منتقدة بشدة ممارساته القمعية : صحافية أمريكية منتقدة بشدة ممارساته القمعية :
كفانا خمسة وثلاثون عاماً من الاحتلال الإسرائيلي

نحن الأمريكيين محظوظون للغاية! فقد أنعم الله علينا بالحماية التي كفلها لنا الدستور، لدرجة أن الكثير منا يجدون من الصعب عليهم مجرد التخيل كيف يكون الحال إذا عشنا في مكان لا توجد فيه مثل تلك الحماية.. مكان مثل الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وفي خضم الضجة الإعلامية التي أحاطت الأسبوع الماضي بزيارة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون إلى البيت الأبيض، وملك الأردن الملك عبد الله، ينبغي على الأمريكيين أن يتذكروا أن هناك 5 ،3 ملايين مواطن فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون تحت نوع أو آخر من أنواع الاحتلال العسكري الأجنبي لما يقرب من 35 عاما.
وهذا الموقف يجعل من ضمان حقوقهم الأساسية وحرياتهم شيئا مستحيلا، فهذه الحقوق التي قد تسمح بها سلطات الاحتلال بصورة مؤقتة كما رأينا مؤخرا يمكنها أيضا أن تسحقها وتدوس عليها بالدبابات التي تتوغل في تلك الأراضي في طرفة عين.
وتلكؤ إسرائيل الواضح للعيان من أجل إنهاء هذا الاحتلال العسكري طويل الأجل لهذه المناطق يعد سببا أساسيا للمآسي المتلاحقة والتوترات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، لذا فمن المهم أن نتذكر ما هي قواعد الاحتلال العسكري الأجنبي.
وقد تعرضت إلى تجربة صغيرة ترجع أحداثها إلى عام 1992 عندما كنت أستعد لمؤتمر من شأنه وللمرة الأولى أن يسمح لدعاة حقوق الإنسان من الإسرائيليين والفلسطينيين ومن بعض الدول العربية الأخرى مناقشة اهتماماتهم المشتركة.
وقد جاء معي ابني البالغ من العمر 14 عاما، وقد مكثنا في غزة في ضيافة عائلة أحد المحامين المطالبين بحقوق الفلسطينيين، وفي هذا المساء كان ابني يلعب مع أبناء مضيفي في الشارع المترب خارج منزلهم، وفي ذلك الوقت، كانت غزة في عامها الخامس من حالة حظر التجول العقابي، وبناء على أوامر قوات الاحتلال الإسرائيلي أجبروا كل سكان المنطقة من الفلسطينيين البالغ عددهم مليونين (وليس حفنة من المستوطنين اليهود) ألا يغادروا منازلهم بعد الثامنة مساء كل ليلة.
وقد مكث ابني في الخارج قليلا بعد ذلك الوقت، وفجأة دوت أصوات عربات «الجيب» التابعة للجيش قادمة ناحية المبنى الذي كنا نقطن فيه، وقام الجنود بدك باب المبنى من الأسفل، وهرعوا على السلم، وقد سارع مضيفنا إلى استقبالهم خارج منزله من أجل أن يتلافي مزيدا من التدمير لمنزله.
وقد انتشر ثلاثة أو أربعة جنود داخل الشقة شاهرين بنادقهم الآلية، وصوت خشخشة أجهزة اللاسلكي على صدورهم.
وسارع مضيفي إلى الهاتف ليتحدث إلى قائد المنطقة الإسرائيلي محتجا على هذا الغزو لمنزله، فسارعت بالتلويح بجواز سفري الأمريكي وسألت الجنود عما يريدون منا، وفي هذا المساء تم تفهم الموقف وانسحب الجنود (ولكن تأجل مؤتمرنا لعدة أسابيع بعد ذلك).
وبالنسبة للغالبية العظمى من العائلات الفلسطينية، عادة ما تنتهي أية مناوشات مع الجيش الإسرائيلي بنهاية مأساوية؛ فلا يوجد لدى الكثير من العائلات الفلسطينية ضيوف يلوحون بجواز السفر الأمريكي، وقليلون أولئك الذين لديهم اتصالات بقائد المنطقة الإسرائيلي.
أما الأكثر خطورة من ذلك، فهو أنه لا أحد منهم لديه أية حقوق يكفلها له القانون في مواجهة مثل تلك الاعتداءات من جيش الاحتلال.
هذا هو حال العيش تحت الاحتلال العسكري؛ سل الفرنسيين، أو البولنديين، أو النرويجيين، أو أي شعوب أخرى رزحت تحت نير الاحتلال العسكري الألماني في فترات سابقة.
ومن المعروف بالطبع أن ألمانيا النازية قد أرسلت جنودها من أجل احتلال هذه الدول، في محاولة منها للقيام بإبادة جماعية لهذه الشعوب لتحصل على «مساحة أكبر» لتعيش فيها في المقابل من أجل الجنس الألماني.
ولكن الاحتلال العسكري قد يحدث لأغراض أخرى كذلك؛ ففي نهاية الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال استطاعت قوات الحلفاء أن تنهي الحرب وقد تحكمت في العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك ألمانيا واليابان.
وقوانين الحرب الدولية لا تحاول أن تفسر الأسباب وراء أي نوع من أنواع الاحتلال.
ولكن ما تحاول أن تخوض فيه هو كيفية تحكم دولة في أراض مملوكة لدولة أخرى.
فبصفة خاصة، شددت بوضوح اتفاقية جنيف وما تلاها على حالة الضعف الشديد للمدنيين داخل أية أراضي محتلة، ومن ثم أعطت حماية خاصة لهم، وهناك مثالان على ذلك:
لابد من المحافظة على ممتلكات السكان الأصليين وحقوقهم، وتمنع قوات الاحتلال منعا باتا من تهجير المدنيين بهذه الدولة إلى مقاطعات محتلة أخرى.
وهذه الأحكام لقوانين الحرب مبنية على قواعد أساسية للقانون الدولي: «يمنع منعا باتا الحصول على أي مقاطعة بالقوة» فكان خطأ من الألمان أن يحاولوا «الحصول» على المزيد من المقاطعات لأنفسهم بالقوة في الثلاثينيات والأربعينيات.
ولذلك كان يعتبر من الخطأ على الحلفاء المنتصرين أن يزعموا، على سبيل المثال، أن لهم الحق في الاستحواذ على أراضي الألمان أو اليابان بعد عام 1945 فقط من أجل أن قواتهم استطاعت أن تكون هناك في ذلك المكان.
وبالفعل، لم تقم قوات الحلفاء بشيء مثل ذلك، ولكن في المقابل استخدموا هذه السنوات من الاحتلال العسكري في كلا الدولتين من أجل بناء حكومات قوية تخلف الحكومات السابقة من السكان الأصليين ذات طابع ديموقراطي.
وأنا أعتقد أن الحلفاء قد أدوا عملا طيبا، ففي كلا الدولتين تمت المهمة على ما يرام، وانتهى الاحتلال في أقل من عشر سنوات.
أما إنجازات إسرائيل خلال 35 عاما من الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة (وهضبة الجولان) فإنها تبدو بعيدة كل البعد عن ذلك، فلا يبدو أن الديموقراطية أو تحقيق الحكم الذاتي الحقيقي من ضمن أهداف إسرائيل الرئيسية هناك على الإطلاق، ولذا فليس من المستغرب أن يؤدي الإنكار المتواصل لحقوق الفلسطينيين إلى إشعال مقاومة عنيفة من الفلسطينيين.
وبالطبع أنه من المؤسف أن بعض (ولكن بكل المقاييس ليس كل) هذه المقاومة قد قامت باستهداف المدنيين، وقد كان كل ذلك العنف الذي دمر «الأرض المقدسة» في السنوات الماضية دراميا للغاية، ولكننا في الوقت نفسه لا يمكننا أن ننسى السياق السياسي الذي تمت فيه تلك الأحداث؛ فإن الاحتلال العسكري المتواصل هو نفسه من أكبر أنواع العنف، ولابد أن تهدف الدبلوماسية الأمريكية في الوقت الراهن إلى خطة مفعمة بالأمل وسريعة وحاسمة لهذا الاحتلال؛ فعندما يعيش الشعبان جنبا إلى جنب بدون حكم عسكري، فحينئذ فقط سوف يستطيع كلا الشعبين أن يحترم حقوق الشعب الآخر.. وكفانا خمسة وثلاثون عاما من الاحتلال.

هيلينا كوبان
«كريستيان ساينس مونيتور»

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved