* واشنطن - خدمة الجزيرة الصحفية:
نال دونالد رامسفيلد استحسان الشعب الأمريكي بتعليماته الحاسمة وسلوكه الذي يتسم بالعقلانية، وذلك بوصفه قائد قوي للبنتاجون خلال أوقات الحروب، والآن يحاول أن يفعل شيئا ربما أكثر صعوبة، وهو تشكيل وجه القوات الأمريكية حسب رؤيته الشخصية لما ينبغي أن يكون عليه جيش المستقبل، ونجاحه كوزير حرب قوي شيء، وتعامله مع وظيفة وزير الدفاع شيء آخر تماما، فقد اكتشف قادة البنتاجون السابقون أن إلغاء نظام سلاح في أوج مراحل تطوره يعتبر في عداد المستحيلات، وذلك لتضافر جهود رجال القانون وقادة الجيش من أجل الدفاع عنه، ولذلك فإن إفصاح رامسفيلد عن نيته في التخلص من نظام مدفعية «الكروسيدر» يمكن أن يعتبر اختبارا لقدراته القيادية، ويعد مؤشرا على إذا ما كانت القوات الأمريكية سوف تتخلص في القريب العاجل من الخطط العسكرية التي أعدت إبان الحرب الباردة من أجل إنشاء جيل جديد من الطائرات والدبابات والسفن، وقداعترف رامسفيلد في أثناء حفل إفطار لصحفيين من جريدة «كريستيان ساينس مونيتور» إنه لمن العسير أن نلغي برنامجا قد حظي بفترة طويلة من إجماع جمهور الناخبين، وقال: ولكن «إذا لم تكن لديك القدرة على فعل ذلك، فإن ذلك يعني أن أي مشروع بدأناه يجب علينا أن نستمر فيه؛ بصرف النظر عن ماهيته، مما يعد شيئا غير عقلاني بالمرة»، وفي الأيام الأخيرة، تسربت سلسلة من الأنباء من كبار الضباط الذين نوهوا بأن رامسفيلد عازم على كشف أسرار السلاح العسكري الجديد، وعندما سئل أسئلة مباشرة حول هذا الموضوع تحفظ رامسفيلد على إفشاء أية أخبار، وقال: إن القراربشأن «الكروسيدر» يتم دراسته في الوقت الحالي، وسوف نعلن عن بعض النقاط في الأيام القليلة القادمة.
وعندما تولت إدارة الرئيس بوش المسئولية، كانت مسألة إعادة تشكيل الجيش تعد واحدة من أهم أولويات الأمن القومي، جنبا إلى جنب مع التأكيد على قضية الصواريخ الدفاعية، وبالنسبة لرامسفيلد وكبار موظفي البنتاجون، كان ذلك يعني أن يتم استغلال التكنولوجيات الجديدة وأحدث التجارب العسكرية من أجل توسيع الهوة بين جيش الولايات المتحدة وجميع أعدائها، وقد قام فريق بوش الجديد بعمل المزيد من أبحاث الدفاع واسعة النطاق من أجل تنفيذ التغيرات الجديدة، ولكن كعادة تلك الدراسات، أخذت وقتا أطول مما هو متوقع لها، ثم حدث بعد ذلك كارثة كان تفي حد ذاتها نقلة نوعية: 11 سبتمبر.
وفجأة، أصبحت سمات رامسفيلد الشخصية التي جعلته في وضع حرج في أوقات السلم للبنتاجون ذات قيمة، فكان تقييمه الصارم للموقف، وحرصه الواضح على توفيرالوقت الكافي للصحافة من الأسباب التي جعلته أبرز متحدثي الإدارة في خلال الأسابيع الأولى للقتال في أفغانستان، وقد أظهرت التجارب في فترة الحرب كذلك التفوق النوعي لبعض الأسلحة مما جعلها تتصدر تقديرات الخبراء والمخططين العسكريين، وقد استخدمت القوات الجوية طريقة الهجوم المشترك بالذخيرة على سبيل المثال، مما أدى إلى التفكير في زيادة إنتاج الأسلحة ذات التوجيه الدقيق، كما أثبتت الطائرات بدون طيار قدرتها على تعقب وتدمير الأهداف، وفي الوقت الحالي تزايدت حركة التمويل الحكومي للأسلحة، في الوقت الذي يقوم فيه الكونجرس بتقييم خطط إنفاقه، ولقد حان الوقت لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن تطوير الأسلحة، فلا تزال أهم الأنظمة الدفاعية القابلة للاختراق لم تمس، على الأقل حتى الآن، فالطائرات من طراز 22 - F التي كان مقصود بها أن تنافس الطائرات السوفيتية (سابقا) لا تزال قيد التطوير.
ولكن «كروسيدر» والتي تحدثت التقارير الصحفية أنها من المحتمل أن تكون من ضمن الأسلحة التي سوف يتم الاستغناء عنها من خطط البنتاجون، دائما ما كانت هدفا عندما تتجه النية إلى تقليص الميزانية، وبالرغم من أنها أقدر بكثيرمن الأسلحة التي سوف تحل محلها، فهي تطلق 10 قذائف في الدقيقة في مقابل أربعة للأسلحة الجديدة، فلا تزال عاجزة عن محاكاة الميزات التكنولوجية العالية لمنافسيها.
ويحاول قادة الجيش المتعاطفون مع ذلك السلاح أن يتكتلوا من أجل مساندته من وراء ظهر رامسفيلد، وذلك عن طريق توزيع أوراق «نقاط للنقاش» التي يتم إرسالها عن طريق الفاكس إلى المؤيدين والمساندين للفكرة، من أجل الاستعداد في حالة حدوث شيء يهدد مستقبل الـ«الكروسيدر»، وأكثر مساندي هذا السلاح من ولاية أوكلاهوما، في نفس المكان الذي يتم تجميعها فيه، فالأسلحة التي تقاوم محاولات الإلغاء عادة ما تحاول نشر نماذجها وعائداتها المالية على الولايات ذات الكثافة السكانية العالية.
ويقول جوردون آدامز أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج واشنطن، ومسئول ميزانية الدفاع في فترة الرئيس كلينتون: «يبدو أن الظروف مواتية لرامسفيلد لينتصر في هذه القضية»، ولكن لا ينبغي علينا أن نسقط من حساباتنا «المثلث الحديدي» القديم المكون من الكونجرس والمقاولين ومسئولي خدمات الجيش؛ فقد أنفق البنتاجون حتى الآن حوالي ملياري دولار على نظام «كروسيدر» وهذا النوع من الاستثمار يستطيع أن يفرض نفسه في النهاية.
* كريستيان ساينس مونيتور
|