أخرج الطلاب منة المدارس، والعمال من المصانع، والأمهات
من البيوت للمشاركة في المسيرات الحاشدة الحافلة، وكان المشهد كاريكتوريا إلى حد الفجيعة.
والجميع كان يهتف بحياة القائد البطل في ذكرى ميلاده!! الجميع.. بما فيهم الرجال المخذلون والنساء اللائي سرق نضارتهن وعنفوانهن التقشف والفقر، والفتية الذين راقت لهم الفوضى، والأطفال الذين استطاعوا أن ينجوا من الأمراض والأوبئة على ضفاف الرافدين سيقوا جميعهم ليحدقوا بالكاميرات ويرددوا شعارات متهالكة قديمة لفظها الزمن نحو أقبيته العتيقة.
وكان يهيمن على هذا المشهد ويحرسه ويرقب خنوعه وانضباطه روح الرئيس، كانت تسري بين الجموع كسحابة سرية مسمومة فتلدغهم بالرهبة والمزيد من الصراخ بحياته.
ويحلق فوق هذا جميعه صوره بالحجم الطبيعي ومجسماته التي تملأ الميادين والشوارع وأقواله المأثورة، التي ألغت جميع مامر على أرض الرافدين من عقائد وحكم وفلسفة ولم يبق من كتاب مقدس يجوز تداوله، سوى كتابه أو روايته (زبيبه والملك).
أي فجيعة؟؟؟.. وأي مفارقة كان المشهد يحدق بنا.. ونحن نحدق بهزيمة عربية شاملة تبدأ بالفرد وتنتهي بالمقصلة أو أقبية السجون.
ودأب الرئيس البطل في كل فترة من فترات حكمه أن يعسف نموذجاً تاريخياً ليمتطيه، ويتوج نفسه بأكاليل بطولة لا يقتنع بها سوى هو نفسه، في حربه ضد جارته المسلمة، اختطف القادسية من مجدها وخلودها، جعلها قادسية صدام حسين!!
واليوم في خطابه الهزلي الذي أعلن فيه قطع البترول عن العالم يضع عينه، على أمجاد صلاح الدين الأيوبي (لاسيما وأن مسقط رأسيهما هو مدينة «تكريت» وهذا السبب بنظر السيد الرئيس كاف وحده ليجعله يستلم مفاتيح القدس).
وفي المسيرات الشعبية كانت صوره تجاور الرموز الفلسطينية وتهتف بها (العزف العربي القديم على قميص عثمان... القضية الفلسطينية).
وكل يدعي وصلاً بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاكا |
قرار قطع البترول هو قرار فردي أرعن يتلمس فيه الديكتاتور الفرد بطولة شخصية ويكمل بزة (الديكتاتور) التي قطعت البترول المرخص به أصلا لشعب منهك مريض ثمنا للغذاء والدواء. قرار فردي مرتجل لا يمتلك بعد الرؤيا أو حنكة السياسة.
وعلى الرغم من هذا، كان الجميع يهتف.. وجميع الشوارع والميادين في بغداد، تصرخ وتصيح في عيد ميلاد السيد الرئيس.
|