Friday 10th May,200210816العددالجمعة 27 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لاإحصاء للحالات والبطالة أهم الأسباب لاإحصاء للحالات والبطالة أهم الأسباب
الجزيرة تدق جرس «الانتحار» :كيف نحمي الشباب من الموت

تحقيق : روضة الجيزاني
تعتبر حالات الانتحار من القضايا الخطرة والمهددة للمجتمع وذلك من الناحية الاجتماعية والدينية، فهناك دوافع كثيرة تدفع الإنسان إلى الانتحار منها عدم وجود الوازع الديني، ومنها أسباب مرضية كالإدمان على المخدرات والإحباط والاكتئاب الشديد، كما ان عدم وجود الرعاية الكافية من الأسرة والتوعية من المجتمع قد تجعل حالات الانتحار في تزايد مستمر خاصة في هذا العصر حيث وجد الإنسان نفسه أمام متغيرات كثيرة وصراعات مختلفة مما أثر في نفوس البعض فلم يعد قادراً على ضبط نفسه والصبر على تقلبات الدهر..
إلا ان قتل الإنسان نفسه وهو يدري ما هي نهايته فهذا أمر خطير للغاية.. هذه الصور وللأسف أصبحت في مجتمعنا اليوم متكررة على صفحات الجرائد وبين دهاليز المستشفيات وإن لم تصل لحد الظاهرة ولله الحمد ومع ذلك فإن هذه الصور يقف أمامها الإنسان يتساءل: هل أصبحت واقعاً حقيقياً لمجتمعنا؟..
وقبل الخوض في أبعاد هذه القضية نود ان نشير إلى ان مناقشة مسألة الانتحار لم يتقبل الكثير الخوض فيها ووجدنا صعوبة في جمع معلوماتها رغم تكرار حالات الانتحار في مدن كبيرة كالرياض وجدة والمدينة المنورة وفقاً لما نشرته وسائل الإعلام وما زالت تنشره وتتحدث عنه بين الحين والآخر.. فإلى أبعاد هذه المشكلة وفقاً لما يراه ضيوفنا..
بداية يقول الدكتور سعد الماضي جراح المخ والأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض: إن ظاهرة الانتحار أصبحت من القضايا الخطرة المهددة لمجتمعنا، والتي من شأنها ان تعطل حركة التنمية حيث تشهد عيادات الأمراض النفسية في المستشفيات والعيادات الخاصة الكثير من المرضى السعوديين الذين لهم نية كبيرة في انهاء حياتهم، والبعض انتحر فعلاً ومنهم من لقي حتفه، ومنهم من يرقد في المستشفيات في حالة حرجة للغاية.
ينتحر مهما كان وعيه
* وأنت طبيب لديك خبرة طويلة في مجال الطب النفسي وتعرف خصائص البيت السعودي.. برأيك لماذا تظهر هذه الحالات في مجتمعنا؟
ان أهم العوامل المسببة التي تساعد وتدفع بالشخص إلى الانتحار مرض الاكتئاب بالإضافة إلى أسباب متعددة، ولكن من أشدها الاكتئاب النفسي.. هذا المرض يصيب العديد من الناس ونحن الآن لسنا بصدد التعرف على مرض الاكتئاب ولكن نود ان نتعرف لماذا نصاب؟ إن الأكثرية في المجتمع السعودي يعانون من الاكتئاب ولكن بدرجات متفاوتة وعندما تتطور الحالة تصل إلى التفكير بالانتحار، وفي مجتمعنا يصاب به كبار السن من المتقاعدين مثلاً.. أو ممن لا يجدون اهتماماً من قبل زوجاتهم وأبنائهم، كما ان عدم وجود أماكن ترفيهية تصبح متنفساً لنفسه وعقله وتفكيره يزيد من تفاقم الحالة لديه، وأود ان أشير إلى ان عدم معالجة الحالة في بدايتها من خلال ايجاد مراكز علاجية خاصة بهذه الفئة تعالجهم من الأمراض النفسية تدفع بالمسن إلى الانتحار مهما كان وعيه الديني وعلمه بحرمة ذلك إسلامياً.
هذه الحالات أقدمت على الانتحار
* ذكرت في معرض حديثك ان هناك كبار السن الذين يتمتعون بذاكرة جيدة ويؤدون الصلاة يومياً ومع ذلك يقدمون على الانتحار بسبب حالة الاكتئاب.. هل تستعرض لنا بعض هذه النماذج؟
نعم هناك العديد من الحالات، فمثلاً جاءني رجل مسن ويتمتع بذاكرة جيدة يريد انهاء حياته وبشكل سريع والسبب انه لا يجد اهتماماً من عائلته وهو كما يردد «ضايق الصدر» وهنا عرفت ان هذا الرجل مصاب بمرض الاكتئاب، ويكرر هذا المسن القول والشكوى لكن لا أحد يصدقه.. لماذا؟!، لأن مجتمعنا لا يعرف ما معنى الاكتئاب، ولكن لو ان أسرة هذا الرجل على وعي بهذا المرض لما فكر هذا الرجل بالانتحار.
وزارة الصحة لم تهتم
* هناك العديد من كبار السن يذهبون إلى المشايخ «القراء» لقراءة القرآن لتهدئة انفسهم،، هل نجزم ان معظمهم مصابون بالاكتئاب؟
هذا الأمر لا ضرر فيه لأن كلام الله فيه شفاء من الأمراض، ولكن هناك العديد من الحالات المستعصية بمرض الاكتئاب تحتاج لرعاية فائقة ودراسة ثم ان مريض الاكتئاب يريد ان يلفت ممن هم حوله إليه لأنه يشعر بالفراغ ومصاب بالاكتئاب وهذا ينطبق غالباً على كبار السن، وهنا المسؤولية تقع على عاتق عدة جهات وأولها وزارة الصحة التي أجد انها مقصرة بهذا الجانب والمعلومات تشير إلى ان الجانب النفسي من قبل وزارة الصحة مهمل حتى الآن، فهي لم تنشئ مراكز خاصة لهذا الغرض وخاصة في المستوصفات الحكومية المنتشرة بين الأحياء السكنية.
الحد من الاكتئاب
* ولكن برأيك ما هي الحلول المطروحة تجاه هذا الأمر؟
الحلول كثيرة ومتعددة وكما ذكرت يجب ان تأتي من عدة جهات مسؤولة مثل وزارة الصحة، يجب عليها ان تنشئ خططا تساعد المجتمع على التغلب على هذا المرض، كذلك إنشاء مراكز خاصة لكبار السن من الجنسين تشرف عليها جهات حكومية وطنية.
* وماذا عن دور الإعلام؟
الوسائل الإعلامية تغيِّب الجانب النفسي، فمثلاً التلفزيون السعودي لا يساهم ببث التوعية لمثل هؤلاء المرضى وتوعية الأسر بطبيعة هذا المرض وعلاجه لأن المجتمع السعودي لا يعترف بشيء اسمه مرض نفسي ومن هنا تبدأ المشكلة، فيجب على وسائل الإعلام ان تكثف انشطتها في بث الوعي بين أفراد المجتمع.
لدى الشباب
* وماذا عن فئة الشباب.. هل توجد حالات أقدمت على الانتحار؟
فيما يتعلق بفئة الشباب نجد ان معظمها من الذكور أما الإناث فهن لا يشكلن نسبة حيث تشير المعلومات ان هناك حالات ملحوظة أقدمت على انهاء حياتها والسبب مرض الاكتئاب الذي يصيب هذه الفئة الفاعلة في المجتمع وهو في أشد الحاجة إليها، هذه الفئة تعاني من الاكتئاب بسبب المتغيرات التي طرأت على طبيعة حياتنا، فهو يرى ويشاهد أمامه ومن حوله الفضائيات، الإنترنت والمتغيرات المادية والبعد المادي الذي لم يستوعبه حتى الآن، الجامعات والنسب المطلوبة، الطبقية وعدم قبولها للأعمال المهنية وخاصة الحاصلون على شهادات جامعية وعدم توعية الأسرة بالوعي الكافي للتعامل مع أبنائها تربوياً، ولا ننسى تعاطي المخدرات التي قد ترتبط بما تم ذكره من أسباب للهروب من الواقع الكئيب.
ومعظم هؤلاء الذين أقدموا على الانتحار تعرضوا إلى عدة متغيرات لعل من أهمها الافلاس الروحي وعدم ضبط انفعالاتهم، وأيضاً متغيرات الحياة الجديدة مما خلَّف صراعاً مع الوقت وموارد الكون.
بسبب الغزو الفضائي
والنماذج متشابهة، فشاب يقدم على الانتحار وهو لم يتجاوز ال30 عاماً بعد ان تعرض إلى ضغوط نفسية، فهو لا يحمل شهادة ولا يملك المال ولا يجد متنفساً لما يعانيه، وأسرته لا تعي ما يعانيه فدخل في صراع نفسي واقدم على انهاء حياته ولكن الله انقذه في الدقائق الأخيرة، ويحدثني هذا الشاب عن الفراغ الذي يعيشه طوال النهار، فهو لم يجد ما يفعله سوى الجلوس أمام الفضائيات ليشاهد العالم المغيب من حوله وهو يتطور وهو لا يملك مصروف جيبه!.
قد يدفع البعض للانتحار
وهناك نموذج آخر، الذي يفكر ويتأمل بالموروث الديني ويعيش صراعاً بين ما هو حرام وحلال وما يجب فعله وما لا يجب فعله من منظور اجتماعي وطبقي، فهو يجد بين يديه العالم من خلال الفضائيات وهو يشعر بالكبت.. هذا الأمر أوجد لديه خللا في نفسه وأصيب بالاكتئاب وأقدم على الانتحار.
تم استئصال بعض أعضائه
وهذه الحالة كانت لشاب كان يتردد بشكل سري على العيادة النفسية ويشكو حالته وانه خائف من تردده على عيادتي والسبب أهله الذين لو علموا بذلك لوصفوه بالجنون وهذا الشاب يشعر بالملل ثم تطورت حالته للاكتئاب فانطوى داخل غرفته لمدة يومين يفكر بطريقة سهلة وجيدة للانتحار، وفي النهاية أقدم على تناول مادة كيمياوية خطرة ونقل للمستشفى في حالة خطرة وتم استئصال بعض أعضائه، وهنا أعود لأكرر أهمية توعية المجتمع بالمرض النفسي الذي لا يتقبله اطلاقاً.
وهناك نماذج أصبحت منحرفة بسبب عطالتها عن العمل فاتجهت إلى المخدرات وساعد على ذلك اهمال الأهل والظروف الاجتماعية التي يعيشونها فأقدمت على الانتحار.
التوعية أولاً
* وماذا يجب ان نفعل حيال هذه الفئة الفاعلة في المجتمع؟
يجب أولاً تعريف المجتمع بالمرض النفسي من خلال تكثيف دور الإعلام، ويجب توعية الشباب بأهمية العمل المهني وسلخ الطبقية تدريجياً ليتقبل الشاب هذه المهنة حتى وإن كانوا من حملة الشهادات الجامعية، كذلك علينا توعيتهم بالوضع المادي حاليا وذلك من أجل نسيان سنوات الطفرة والقبول بالوضع الحالي، ولا ننسى دور الجامعات في تذليل المشكلات الاجتماعية والدراسية لهؤلاء الشباب، ونشر الوعي والتحذير من التيارات الجارفة، واستثمار طاقاتهم بعدة أنشطة ثقافية هادفة ومفيدة.
* ما هي الرسالة التي توجهها للأهل حيال هذه القضية؟
يجب على الأهل مشاركة أبنائهم أحلامهم وتطلعاتهم، وعدم استخدام القسوة وهناك أيضاً دور الإعلام في ايجاد الفقرات والمسلسلات الاجتماعية التي تتلاءم مع مجتمعنا، مثل التعريف بمشاكل الشباب والحد من انفصال الأبوين وتعريفهم بالمشكلات الناتجة عن ذلك، وبهذه المناسبة أوجه نداء لوزارة الصحة في إقامة أسبوع للتوعية بأمراض المجتمع النفسية مثل اسبوع المخدرات والأسنان ويتم تفعيل هذا الأسبوع من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة واقامة الندوات وإلقاء المحاضرات في الجامعات والمدارس والمراكز الصحية.
دور أئمة المساجد
* كيف نوضح أبعاد هذه المشكلة من الناحية الدينية؟
نوضحها من خلال خطبة الجمعة وعلى أئمة المساجد ان يقوموا بدورهم حيال هذه المشكلة الاجتماعية بالحديث عن المرض النفسي وخاصة عند كبار السن الذين في المساجد من المصلين الذين هم في أشد الحاجة لهذا الاهتمام عن طريق توضيح الأمور الدينية التي تحرم على المسلم الانتحار، والتشديد على الأسر في تفهم أوضاع ابنائها وبناتها، وحمايتهم من التفكير أو القدوم على الانتحار، وتوضيح دور الطب النفسي وحث الناس على الذهاب إلى عيادة الطبيب النفسي للعلاج حتى لا يصل بهم الأمر إلى الاكتئاب وانهاء حياتهم بهذه الطريقة البشعة.
النسب غير معروفة والسبب وزارة الصحة
* ما هي الاحصائيات والنسب التي تبين حالات الانتحار في مجتمعنا؟
للأسف الشديد حتى الآن لا توجد احصائية تبين النسبة بالرغم من حالات الانتحار الكثيرة والسبب هو عدم اهتمام وزارة الصحة بهذا الجانب والجهات المعنية بذلك، وهذا زاد من تفاقم الوضع في المجتمع، وهنا على وزارة الصحة ان تتخذ إجراءات وحلولا من خلال وضع خطط بالتعاون مع بعض الدول الأوروبية التي تعاني من ظاهرة الانتحار كثيراً.
الدول الصناعية الأكثر انتحاراً
وحول السؤال نفسه توجهنا إلى الدكتور سلطان القثمي المستشار والباحث بمركز أبحاث مكافحة الجريمة حيث قال: تختلف المجتمعات في معدلات الانتحار اختلافاً كبيراً، حيث تحتل الدول الصناعية الأرقام الأعلى مقارنة بالدول النامية، فالمجتمعات الإسلامية هي الأقل في معدلات الانتحار مقارنة بغيرها، والمجتمع السعودي من أقل المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية في معدلات الانتحار، فبينما ينتحر شخص واحد من كل مائتي ألف من السكان في المملكة يبلغ هذا المعدل 11 حالة انتحار لكل مائة ألف من السكان في الولايات المتحدة و8 حالات انتحار لكل مائة ألف من السكان في الهند.
* ولكن هل أصبح الانتحار ظاهرة حقيقية في مجتمعنا؟
هذا غير صحيح، فالانتحار في المجتمع السعودي لم يصل إلى حد الظاهرة إذ لا يصل حتى إلى 1% من حجم الحوادث الجنائية، ثم ان المنتحرين أو محاولي الانتحار هم من غير السعوديين، وإذا أردنا التحديد فهم من الهنود.
اأسباب متعددة
* وبرأيك ما هي أهم أسباب الانتحار؟
أهم أسباب الانتحار المشكلات العائلية والاختلافات الأسرية والأمراض النفسية، كذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ويعزو الكثير من الباحثين أسباب الانتحار إلى مرض الاكتئاب الذي يعتبر جملة من الأعراض لهبوط المعنويات، وتبلد الاحساس والشعور بالذنب بالإضافة إلى التشاؤم والقلق والخوف وانعدام النشاط والشهية وفقدان الاتزان والاعاقة الذهنية، وهناك أيضاً عدة عوامل، مثل الشعور بالعجز واليأس أو الفضيحة هذه العوامل أكثر دفعاً وتحث على الانتحار أو محاولاته، وقبل كل هذه الأسباب أرى ان ضعف الوازع الديني أو انعدامه، هو الأبرز في الدافعية نحو الانتحار أو محاولته، وأود أن أشير إلى ان التعامل مع الانتحار ومحاوليه يثير الكثير من الأسئلة أكثر من كونه يقدم إجابات لذلك.
* وماذا يجب ان نفعل حيال هذا الأمر؟
أرى اولاً أهمية الاهتمام بالصحة النفسية لكل فئات المجتمع وبالأخص صغار السن والمراهقين وأصحاب الاعتلالات النفسية والجسدية والتعاضد الاجتماعي ودعم ذوي الحاجات الخاصة والدخول المنخفضة وإعداد دراسات متعمقة لفهم الانتحار ومحاولاته وأسبابه، كذلك تدعيم الخدمات الإرشادية والاجتماعية للأفراد والأسر ذوي الميول الانتحارية وإنشاء الجمعيات والخطوط الساخنة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved