لقاء:خالد الدوس
طوال تاريخ الرياضة السعودية الذي بدأ منذ ما ينيف عن نصف قرن تعاقب على مسيرتها الخضراء العديد من الرواد والنجوم والأجيال منهم من كانت له بصمات واضحة واسهامات بارزة في وضع لبنات مرحلة البناء والبداية ومنهم من عاش حقبة ما بعد التأسيس وكل هؤلاء الرجال بالتأكيد ستظل أسماؤهم محفورة في الذاكرة.
ومن هذا المنطلق حرصت (الجزيرة) على تقديم هؤلاء الرواد والنجوم والاسماء على صفحات كل جمعة.
ضيفنا هذا الاسبوع مدافع فريق الهلال في الثمانينات الهجرية اللاعب سعيد بن يحيى.. الذي مثَّل فريق شباب الناصرية ( قبل حلِّه ) في أواخر عقد التسعينيات أربعة أعوام ثم انتقل لفريق الهلال عام 1382هـ بدعم قوي من الشيخ عبدالرحمن بن سعيد (متعه الله بالصحة والعافية) أحد الفرسان الثلاثة الذين أسسوا الرياضة بالمنطقة الوسطى وأرسوا دعائمها.
وعقب انضمامه للفريق الأزرق نجح في تقديم ذاته كمدافع يملك مقومات وإمكانات جيدة واستطاع ان يسهم في فوز الهلال بكأسي الملك وولي العهد لموسم عام 1384هـ نظراً لحضوره الجيد ودفاعه القوي عن الشعار الأزرق في المسابقتين..!!
استمر في تمثيل فريقه حتى أواخر عام 1386هـ، حيث أعلن اعتزاله قسرا بسبب الإصابة التي تعرض لها بالركبة أمام فريق النصر في الدوري.
استضفناه لنقلب معه أوراق ماضيه المعطرة بذكريات وملامح الزمن فتعالوا نقرأ سطور ضيفنا الكريم.
السيرة الذاتية للضيف
الاسم: سعيد بن يحيى الغامدي
تاريخ الميلاد: 1363هـ.
المهنة: مدرس تربية رياضية
الحالة الاجتماعية: متزوج وأب ل«محمد 22 سنة، وتركي 20 سنة، و3 بنات»
شباب الناصرية
البداية كانت بالتأكيد في الحواري والمدارس، ففي شارع الخزان أوجدنا فريقا (في النصف الثاني من عقد السبعينيات).. ضم بعض الاسماء أذكر منها الأمير فهد بن عبدالله بن محمد والأمير فيصل بن عبدالله بن محمد ولاعب النصر فيصل العسيلان وشقيقه فهد.. إذ كان يشرف على الفريق الأمير فهد بن عبدالله الذي احتواه ومده بالكور والملابس ومن فريق الحي التحقت بصفوف فريق شباب الناصرية (قبل حله) الذي كان يرأسه الأمير ماجد بن سعود، حيث ضم هذا الفريق بعض أبناء جلالة الملك سعود (طيب الله ثراه) طبعاً انضمامي لشباب الناصرية جاء بعد بروزي وتألقي في معهد الأنجال (العاصمة حاليا) الذي كان يشهد تنظيم أقوى دوري للمدارس على مستوى المنطقة الوسطى وأتذكر جيدا كان معي في المعهد مهاجم أهلي الرياض الكبير مبارك الناصر ولاعب الهلال نبيل الرواف.
عشقه هلالي
استمررت في فريق شباب الناصرية حتى انحل عام 1382هـ حيث مثلته أربعة أعوام تقريبا وأتذكر ان قائد الهلال وهدافه الكبير مبارك العبدالكريم اتصل علي ذات يوم وقال ان الشيخ عبدالرحمن بن سعيد (متعه الله بالصحة والعافية) يرغب في ضمك لفريقنا وقتها كان عمري (18 أو 19عاما) طبعا وافقت بلا تردد نظرا لعشقي وميولي الهلالية منذ نعومة أظفاري وأتذكر حين اتصل علي (مبارك) كنت في الطائف مع شباب الناصرية وأعطيته الموافقة وبعد أيام سافرت من الطائف إلى الرياض وقابلت (مبارك العبدالكريم) وكان معه مساعد العون (خال لاعب الهلال حسين العليان) وأخذاني إلى مكتب رعاية الشباب وسجلت في كشوفات الهلال عام 1382هـ.
حسن سلطان تجاهلني..!
عقب انضمامي لفريق الهلال رسميا في أوائل عام 1382ه انخرطت في مزاولة التدريبات اليومية تحت اشراف المدرب الراحل حسن سلطان رحمه الله- الذي فاجأني بأسلوبه وتعامله معي منذ الوهلة الأولى التي تدربت فيها حيث وضح جليا عدم قناعته بقدراتي الفنية في ظل وجود عدد من المدافعين الكبار أمثال صالح أمان والكوش (رحمهما الله) وسالم اسماعيل ورغم ذلك التجاهل استمررت ستة أشهر وتزيد في مزاولة التمارين بصورة منتظمة لثقتي في نفسي وفي قدراتي ومع الاصرار القوي والعزيمة الصلبة نجحت في إقناع المدرب الهلالي بقدراتي وامكاناتي الفنية حيث لعبت أول لقاء ضد فريق شباب الرياض (الشباب حاليا) من لقاءات الدوري وقدمت مستوى كبيرا وعطاء جيداً أشاد به الجميع بمن فيهم المدرب حسن سلطان الذي (تغيرت) نظرته عني كثيرا حين شاهد مستواي عن كثب!!
تأثر بصالح أمان
مثَّلث فريق الهلال في خط الدفاع وتحديداً في مركز الظهير الأيمن وأحياناً ألعب ظهيراً أيسر في حالة غياب المدافع العملاق صالح أمان (رحمه الله) الذي تأثرت في الواقع بمستواه الكبير وبعطائه المؤجج بالحماس داخل أرضية الملعب فقد تمنيت ان أصل لمستوى قدراته الدفاعية البارزة وامكانياته الفنية العالية في خط الدفاع.
أعتز بحسن التوم!
أشرف على تدريبي العديد من المدربين ولكن يظل المدرب السوداني (حسن التوم) أبرزهم نظراً لقدراته في التفاعل مع نفسيات اللاعبين ناهيك عن امكاناته التدريبية الجيدة، حيث استفدت منه ومن توجيهاته المستمرة فكان صاحب الفضل بعد الله في بروزي مع الفريق الهلالي.
شيخ الرياضيين
الشيخ عبدالرحمن بن سعيد (أطال الله عمره) مؤسس نادي الهلال شهادتي فيه مجروحة فقد ضحى أبومساعد بماله وجهده ووقته من أجل إعلاء شأن الكيان الأزرق كان يعتبر بالنسبة لنا كالأب في تعامله واحترامه ووقوفه الدائم مع أبنائه اللاعبين في أسوأ الظروف، بل امتد ذلك لبعض لاعبي الأندية الأخرى بالمنطقة الوسطى الذين ساعدهم ودعمهم في صورة تنم عن مدى حرصه واهتمامه بالرياضة بالمنطقة، وأتذكر جيدا ان شيخ الرياضيين شرع منزله لاستقبال معسكرات الفريق الهلالي في بعض الأحيان.
حقبة المهاجمين!
حقبة الثمانينات كانت بلا شك تسمى بحقبة النجوم والمهاجمين الأفذاذ ففي كل فريق من الفرق بالمنطقة الوسطى نجد ان لديها اثنين أو ثلاثة من المهاجمين المتميزين ففي فريق النصر برز ميرزامان وناصر كرداش وأحمد الدنيني وفي أهلي الرياض زيد وراشد ابنا المطرف ومبارك الناصر وفي الشباب صالح عدني وصالح العميل وفي نجمة الرياض برز ايضا فهد بن بريك وعبداللطيف آل الشيخ ولطفي وبالتأكيد كنت أخشى مواجهة المهاجم الفلتة مبارك الناصر ساحر الكرة بالمنطقة الوسطى وكنت أحسب له ألف حساب.
بطل الكأسين!
يعتبر عام 1384هـ هو العصر الذهبي لفريق الهلال حيث نجحنا في انتزاع كأس الملك ثم تلا ذلك كأس ولي العهد بعد فوزنا على فريقي الاتحاد والوحدة «أقوى فرق المملكة آنذاك».. وأطلق على الفريق لقب بطل الكأسين كانجاز غال وفريد من نوعه طبعاً سر هذا النجاح للمجموعة الزرقاء بلا شك يعود لتكاتفهم وترابطهم بقيادة إدارة واعية تمثلت في الشيخ عبدالرحمن بن سعيد الذي هيأ لنا كل سبل النجاح والتألق.. وفي الوقت ذاته ينتابني شعور بالفخر والاعتزاز كوني أحد هذه الأسماء التي ساهمت وبصورة متواضعة في رسم ملامح هذا الانجاز غير المسبوق..!!
شغب جماهيري
من المباريات التي لا أنساها اللقاء الختامي الذي جمعنا بفريق الوحدة في نهائي كأس ولي العهد لموسم عام 1384هـ على ملعب الصبان بجدة، حيث دخلت هذه المباراة بظروف صعبة تمثلت في ارتفاع درجة حرارة الجو وسط رطوبة عالية «قبل موسم الحج بأيام»!! فضلاً عن أرضيه الملعب السيئة، طبعاً الوحداويون كانوا متعودين على حرارة الجو وأرضية الملعب.. ورغم هذه الظروف لعبنا واحدة من أجمل المباريات واستطعنا أن نكسبها رغم قوة الفريق المقابل وخبرة لاعبيه ولاسيما خط هجومه القوي المكون من سعيد لبان وأحمد لمفو «أبرز مهاجمي المنطقة الغربية» وأتذكر بعد نهاية المباراة تعرضنا لموقف صعب من جماهير الوحدة التي قذفتنا بالعلب الفارغة والحجار حيث أصيب سمارا وسالم اسماعيل ولم نخرج من أرضية الملعب إلا برجال الصاعقة وطبعاً تسلمنا الكأس في فندق الحرمين بجدة بسبب شغب الجماهير وقد سلَّمه لقائد الهلال واللاعبين الأمير مشعل بن عبدالعزيز «حفظه الله» أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك..!!
انسحاب النصر
لكن المباراة الغريبة في أحداثها ومشاكلها لقاؤنا بشقيقنا فريق النصر على ملعب الصايغ عام 1384ه ضمن لقاءات دوري المنطقة أول موسم يلعب فيه النصر في دوري الدرجة الأولى ، حيث تقدمنا بثلاثة أهداف ولخوفهم من مضاعفة النتيجة حاولوا الانسحاب بطريقة «....»!! فقام بعض لاعبيه وأبرزهم ناصر كرداش بضرب مبارك العبدالكريم «كف» وميرزامان وجَّه لكمة خطافية لحميد الجمعان وخوفاً من تطور الموقف قام مبارك العبدالكريم «قائدالهلال» وبذكاء بسحب لاعبي الهلال وابقاهم في خط ال «18» وترك الجمل - حكم المباراة آنذاك - يناقش لاعبي النصر الذين هددوا بالانسحاب لأسباب «.....» المهم منحهم 10 دقائق ورجعوا وأكملوا المباراة وفزنا «4/1» والمشكلة النصراوية كثيراً ما تكرر حين يلعبون ضد الهلال وكل هذا خوفاً من مضاعفة النتيجة بسب قلة خبرة لاعبيه ولاسيما في أول موسم يصعد فيه الفريق.
دفعنا ثمن الاستهتار
أمام فريق نجمة الرياض «قبل دمجه» دفعنا ثمن الاستهتار وعدم احترام الخصم فبعد صعوده عام 1386هـ.. لعب ضد فريق الهلال أول لقاءات الدوري، المهم دخلنا هذه المباراة ببرود واستهتار فخسرنا بهدفين وكانت مفاجأة الموسم وصدمة قوية لعشاق الهلال، حيث سببت لنا احراجاً كبيراً أمام الجمهور الأزرق وأمام الإدارة فتم معاقبة بعض اللاعبين المقصرين، وبالمناسبة فريق النجمة كان يعد من الفرق البارزة، حيث أشتهر لاعبوه بالباصات «التمريرات» القصيرة المحكمة واللعب الجماعي الجذاب وقد برز في صفوفه عدد من اللاعبين أذكر منهم فهد بن بريك ولطفي وسعدا وعمر حامد «رحمه الله» وتم دمجه مع فريق شباب الرياض عام 1388هـ.
لاعب الفزعة
محمد موسى مهاجم فريق الشباب وسائق التاكسي آنذاك لاعب خفيف الظل مشكلته كلاعب أنه لا يواظب على التمارين وكثير الغياب فكان لا يمثِّل فريقه إلا إذا لعب الشباب ضد الهلال، حيث كانوا يتفاءلون به فقبل لقاءات الفريقين يبحث عنه الشبابيون ويرضونه ونتفاجأ باشراكه ويبدو أنه لاعب محظوظ ضد الهلال حيث دائماً ما يحرز هدفا أو هدفين في مرمانا حتى إنهم أطلقوا عليه لقب لاعب الفزعة أو لاعب النجدة.
مبارك الناصر أحرجنا
من المواقف التي لا تزال عالقة في ذهني أتذكر أن لاعب أهلي الرياض مبارك الناصر اتصل علي ذات يوم وقال أنا عازمكما يقصد أنا وزميلي يقال له «نادر الجوهر» في مطعم «....»! بشارع الوزير المهم تواعدنا وذهبنا معاً إلى المطعم لتناول وجبة العشاء على حسابه وبعد أن «شبع» مبارك الناصر قام وذهب ليغسل يديه وخرج من الباب دون أن يحاسب.. انتظرته ساعة وبعد أن تيقنت أنه عمل معنا مقلباً اضطررت أن أودع صاحب المطعم ساعتي حيث لم يكن معي في تلك اللحظة نقود إلى أن أدفع الحساب.. خرجت من المطعم وأنا في ذروة الغضب من تصرف مبارك الناصر وحين قابلته في الغد أخذ يضحك كثيراً وهو يقول أكلتم الموقف.. فكن موقفاً بالفعل حرجاً لا أنساه..!!
حكاية الدنبوشي
ثمة موقف آخر أتذكره في تصفيات كأس الملك عام 1381هـ وقبل لقاء فريقي شباب الناصرية بشقيقه فريق الهلال قام أحد لاعبيه «....»! بوضع ورق «الحرمل» المر تحت شراب كل لاعب وقال سنفوز على الهلال ب-«7/1» يعني «دنبوشي»!!
ودخلنا المباراة وخسرنا «7/1» ويبدو أن الدنبوشي «قالها ضاحكاً» انقلب لصالح الهلال.
اعتزال الكرة
استمررت في الملاعب حتى أواخر عام 1386هـ، حيث أعلنت اعتزالي قسراً بسبب الاصابة في الركبة من قائد النصر آنذاك ميرزامان في آخر لقاء جمعنا به وأيضاً فكرت في مستقبلي الدراسي بعد التحاقي بمعهد التربية الرياضية وكان الاعتزال وهجرة الملاعب وفي سن النضج هو السبيل الوحيد للاعب أن يسعى في ترك سمعة طيبة وسيرة حسنة، وفي الوقت ذاته اعتز كثيراً كوني ودعت الساحة الرياضية بلا بطاقات ملونة ولم يصدر مني سوء سلوك تجاه الآخرين لأن الأخلاق العالية هي نجومية للاعب الحقيقية وهنا مربط الفرس.
الأمير خالد الفيصل
أتذكر جيداً في أواخر عقد الثمانينات أصدر الأمير خالد الفيصل «مدير عام رعاية الشباب آنذاك» قراراً يتضمن قيام الأندية الرياضية بترشيح لاعب أو لاعبين يمارسون مهنة التدريس في التربية الرياضية للالتحاق بدورة تأهيل وإعداد مدربين درجة أولى طبعاً رشحت من قبل نادي الهلال ومعي آخرون من الأندية الأخرى أذكر منهم ميرزامان وعبود الرويجح وحسن بصيري وغازي ناصر «الأجلح» وتمكنت من اجتيازها وبتفوق حيث أشرف على هذه الدورة مدرب منتخب المملكة سابقاً «العربي السوداني» وعقب حصولي على إتمام دورة تدريبية في تونس توجهت لنادي الهلال رغبة في خوض تجربة جديدة في مجال التدريب وللأسف تجاهلني الهلاليون وثبطوا عزيمتي رغم توفر كل مقومات النجاح في ذاتي كالخبرة الرياضية والتخصص فضلاً عن اجتيازي لدورة تأهيل وإعداد المدربين التي كانت كفيلة بأن تنصفني من هذا التجاهل..!!
جيل الموهبة!
جيل الأمس تميز بلا شك بالموهبة والاخلاص والانضباطية رغم محدودية الامكانات وتواضعها وأتذكر كنا نذهب للتمارين في عز الظهر فنقوم بتخطيط الملعب وتركيب الشباك في صورة تؤكد أن جيل الأمس كان بالفعل جيل هاو للرياضة بصحيح، وبالمقابل نجد أن لاعب اليوم توفرت له كافة الامكانات والامتيازات على أرض الواقع مع ذلك نجد أنها لم تستثمر بالصورة التي تكفل الارتقاء بمستوى اللعب وتطويره فنياً ولا سيما في ظل نظام الاحتراف الذي أحدث بالتأكيد ثورة كروية للرياضة السعودية.
|