قرأت مقالة الأستاذ إدريس الدريس المنشورة في عدد الجزيرة رقم 10811 تحت عنوان - كللنا منهم ومللنا منهن - والتي عبَّر فيها عن تشاؤمه لما آلت إليه حال العرب اليوم من فرقة وتناحر وتسلط الأعداء، وقد حدا به ذلك التشاؤم الى مقت بني جنسه فصب جام غضبه عليهم حين وصمهم بأنهم أهل إفراط وتفريط، ثم ذهب إلى أكثر من ذلك فاتهم المجتمع العربي بأنه يفرز أناساً غير أسوياء ويخرج أجيالاً يعانون من الردة والانفصام ويهيىء الأرضية الخصبة لنشوء الغلاة في كل المناحي الحياتية.. الخ.
وحقيقة فقد ساءني كغيري ذلك الطرح الذي أبعد فيه الكاتب النجعة، فأبان فيه شعوره بالإحباط والهزيمة التي تسكن داخله تجاه مستقبل الأمة العربية، في حين أن الأمور لا تزال بخير، وستظل بإذن الله تعالى ما لم تتسلل الهزيمة النفسية الى الجبهة الداخلية، والتي تعتبر أهم المعاقل وأقوى الحصون للأمة أي أمة، والتي يسعى عدوها من جانبه جاهداً في اختراقها لإدراكه لأهميتها وأنه متى قدر على هزيمتها نفسياً تمكن من التغلب عليها وإخضاعها تحت حكمه وقهره.
ولذا يجدر بنا أن نبعد الغشاوة عن عيوننا لكي يبدو لنا المستقبل أكثر إشراقاً فنؤمل في أمتنا خيراً وألا ننساق وراء إرجاف المرجفين فنخذل أصحاب العزائم ونفت في عضدهم، فضلاً عما يجده العدو من مستمسك حين يقرأ لمثل ذلك الكاتب اتهام أمته بأنها تفرز أناساً غير أسوياء، وأنها أرض خصبة لنشوء الغلاة، ليقول هذا العدو المتربص - شهد شاهد من أهلها - فالكلمة إذاً أمانة وهي سلاح ذو حدين يجب التعامل معها بحذر ودراية تامة، خاصة ممن هم محسوبون على الأمة من علماء وأدباء ومثقفين وإعلاميين ومسؤولين، ولا سيما في هذا العصر الذي أصبح عصر إعلام ومعلومات، والعالم كأنه يعيش في قرية واحدة، ثم إن الأمة العربية التي أعزها الله حين دخلت في دينه القويم فمكَّن لها في الأرض قروناً حتى دالت الخلافة الإسلامية، لن تستعيد غابر مجدها ومؤثل عزها إلا حين ترجع إلى دينها رجوعاً حقيقياً وتصدق مع ربها فيما تأتي وتذر.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة من غيره أذلنا الله»، فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى تحديد مشاكلها ووضع الخطوات العملية لمواجهتها بحجمها الطبيعي من خلال السعي الجاد في علاجها أو تخفيفها وذلك بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى، ثم التجمل بالصبر والحلم والأناة وألا نعطيها حجماً أكبر فتبدو لنا عائقاً أمام الانطلاق والعمل كما هو حال المتشائمين والمتقاعسين.. والله الموفق.
علي بن محمد اليحيى - بريدة |