بعد أن باع التلفزيون السعودي إعلاناته لوكالة متخصصة، سمعت أنه مقدم على تسويق نشرة الأخبار، وهي فكرة صائبة لمحطة فقدت ما يزيد عن نصف مواردها الإعلانية في وقت قياسي بفضل الجمود.
ما يتمتع به التلفزيون السعودي اليوم هو المصداقية، وما يفتقده هو روح العصر، أما ما يحتاجه فهو مزج بين الاثنين بطريقة مهنية تراعي الربحية والاحترافية، وأهم من ذلك الإدراك بقناعة ان الوقت لا يرحم وأن رياح التغيير لا بد ان تهب في الحال.
هذه الوسيلة الضخمة لا بد ان تسابق الزمن وأن تتمتع بروح وإيقاع العصر، نجحت في ذلك محطات عربية متخصصة وعامة، وسبقتها أخرى أجنبية أدركت أنه لا بد من العمل 24 ساعة كاملة بكامل الطاقم ليس لكسب مشاهدين جدد، بل للمحافظة على مشاهديها الحاليين، أما قناتنا العزيزة فقد خسرت بالجملة واستحقت وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى الذي قدمته لها المحطات المنافسة.
روح العصر هي الإيقاع السريع والتغطيات الشاملة وهي تلبية احتياجات المشاهدين ونهمهم وفضولهم للحصول على المعلومة والترفيه، وهي مواكبة الحدث والإصرار على تقديم عمل متكامل، روح العصر هي التي تراعي عقلية المشاهدين وإطلاعهم، وتفترض دائماً أن المهمة رقم واحد للمحطة هي ان لا تفقد المشاهد ولو للحظات لأي سبب كان، سواء الملل او افتقاد الشعور بالأهمية، أو لأن المحطات كلها تنقل حدثاً كونياً هاماً ومحطتنا تعرض صوراً لمصنع قديم شيد قبل ربع قرن كشاهد للتنمية.
التلفزيون وسيلة مرئية، لذلك فمن أسباب إحجام المشاهدين عن قناتنا ان ما يرونه لا يصل الى طموحاتهم، وذوق التلفزيون السعودي في المرئيات من مؤثرات وديكورات أقرب الى ذوق الورش الصناعية منه الى أي شيء آخر يمت للإبهار التلفزيوني بصلة، والتلفزيون أيضاً وسيلة ترفيه تنافس الرحلات والإنترنت ولعب الورق، ولا يبدو ان جهازنا العزيز ينافس شيئاً سوى وسائل الملل.
الصناعية التلفزيونية هي الأكثر دينماكية على الإطلاق، دائمة الشباب والحيوية وتعتمد على المواهب والمبدعين ولا يقتلها شيء كالشللية وغياب التحفيز، تدار بمحركات وليس بسوالف المجالس، تتطلب الى جانب التجهيزات الحديثة التي يتم تحديثها كل شهر، فريقاً خبيراً من المكتشفين الذين يبحثون عن المواهب والناجحين والأكثر قبولاً لدى المشاهدين، ولا يمكن لجهاز يخوض المنافسة ان يعمل بطاقم موظفوه على كادر المراتب والسلالم، يحفزون بإشغار وظيفة على مرتبة أعلى في وقت يعلمه الله، ويجارون بهذا الفريق محطات تدفع بالدولار، وتجني في المقابل مشاهدين أكثر ومعلنين أكثر.البيع ليس فكرة سيئة على الاطلاق ولا فكرة حالمة، لكنه مطلب للخروج من أزمة حقيقية يعيشها جهاز التلفزيون الوطني اليوم، ويمكن للجهاز وبغربلة هيكلية واعية، ان يعيد تشكيل نفسه مواكباً العصر، ومحتفظاً بشيء من مهامه الوطنية، وأن يتعامل بسرعة واحترافية مع إرثه القديم من أجهزة وعاملين وأفكار، والسرعة هي المطلب الأول لأن جمهور دوري كرة القدم المحلي ومشاهدي أخبار التاسعة والنصف وهم القلة الباقية من المتابعين قد يرحلون في أي لحظة.
|