* القريات - جريد الجريد:
رغم ما تقوم به المرأة في الماضي من اعمال جبارة لخدمة بيتها يصعب تحملها في وقتنا الحاضر من نقل للمياه وجمع للحطب والعمل في المزرعة والرعي وتربية الاطفال كانت ايضا تقوم بدور في غاية الاهمية خاصة في افتقاد البديل حيث كانت تصنع السجاد والبسط وهو ما يسمى «السدو» فعلى اشعة «شمس الضحى» كانت المرأة قديما تنثر ابداعاتها لتقوم بهذا الدور الصناعي المهم لتجد نساء الحي يتجمعن من مبدأ التعاون بين الجميع في منظر يعكس مدى الالفة بينهن ليغردن بأصواتهن البريئة «بالهجيني» حتى يساعدهن على انجاز العمل دون كلل او ملل.
الزين مثل الحيا متبوع لو ما تلا الناس يتلونه والشين مثل المحل مقطوع يسرون لين يتعدونه |
فالعمل ليس بالامر السهل فالبداية من قص «الصوف» وتجميعه وتنقيته مما يتعلق به ثم تتم عملية غسل الصوف ونشره وتنشيفه ومن ثم تمشيطه ونفشه وبعد ذلك تتم عملية الغزل بعدها يتم صبغه بألوان زاهية جميلة ثم يتم نطيه اما سجادة او بساط وهذه العملية تأخذ وقتا طويلا خاصة ان ما يتم استخدامه من ادوات هي بدائية جدا تعتمد على اليد فهناك اداة للمشط وهي التي يتم من خلالها نفش الصوف وتسمى «المشط»، اما الغزل فله اداة تسمى «المغزل» وهي عبارة عن عصا قصيرة لها رأس على شكل نجمة يتم تجميع النسيج عليها وأما صباغة الغزل فتبدأ من خلال تنقيع الغزل بالماء الحار مع وضع شيء من «الشبه» وبعض «قشور الرمان» وهو ما يساعد في تقبل النسيج للصبغ، حيث ينشر بعد هذه المرحلة وبعد ان يجف تأتي مرحلة الصباغة النهائية وهي التي يستخدم فيها عدة ألوان حسب الرغبة وبعد الانتهاء من ذلك يتم نصب «النيرة» وهي التي يتم من خلالها فرد خيوط الغزل على الاعمدة ليتم نسجها باستخدام «الشيصاه» وهي مصنوعة من قرن الغزال يتم بها نقل خيوط النسيج من اسفل الى اعلى وتستمر عملية النسيج حسب حجم السجادة او البساط فهناك ما يستمر لمدة شهرين او اقل وخلال هذه المرحلة يزداد الحماس لدى النساء المتعاونات على العمل فتجد صاحبة النسيج تضع قطعة من البقل «الاقط» في منتصف السدو وهذه تكون جائزة تتنافس عليها النسوة فمن تصل منهن الى هذه القطعة تكون من نصيبها وتتباهى بسرعتها، ومن الصور المرافقة لعملية السدو صورة إبريق الشاي الذي تقدمه لهن صاحبة السدو والذي بالكاد يكفيهن لكن الكاسة الواحدة منه لها طعم مختلف فهي لا تتوفر على مدار اليوم وبعد ان ترتشف احداهن كاستها تغرد بصوتها هجينية تعبِّر بها عن حلاوة الشاي:
يام حلا الشاي بالكاسه بذراع سلوى يصبونه يطير النوم ونعاسه من ديرة الهند يشرونه |
ومعها يتجدد النشاط ويستمر العمل حتى يتم انجاز القطعة الفريدة التي بدون شك سوف تخرج بشكل مميز وبجودة عالية ما زال هناك من تلك البسط وقطع السجاد والتي انتجت منذ اكثر من ثلاثين سنة تحتفظ بجمالها وجودتها رغم تلك الادوات البدائية في صناعتها.
وبعد هذه السنين الطويلة وحفاظاً على هذه المهنة من الاندثار عمد مركز التنمية الاجتماعية بالقريات إلى فتح مركز تدريبي خاص بهذه المهنة تتدرب فيه نساء اليوم على مهنة الامهات في الماضي ولكن وفق اساليب حديثة ومبتكرات تصميمية جيدة وباستغلال امثل الخامات والاجهزة والادوات الحديثة حفاظا على هذه المهنة كما اسلفنا وكذلك لشغل اوقات الفراغ بما هو مفيد وهو ما يشهد اقبالا جيدا لدى بنات اليوم اللاتي سعين الى تطوير هذه المهنة من خلال اضافة طابع جمالي لها يتناسب مع حاضرنا المتطور مستمدات ابداعاتهن مما تركته الامهات لهن من تراث غني ما زال يبنى عليه.
|