الكاتبة حصة الملا تتنفس الكلمات وتتغزل فيها وتشطح هنا وهناك! تغور في أعماق المجتمع في كل صغيرة وكبيرة فماذا قالت عن فضول البشر؟ لنقرأ زاويتها هذه:
هذا الفضول الذي يسكن البشر، والذي يتوزع بنسب مختلفة بين كل منا، يزيد عند هذا ويقل لدى ذاك، إنه استباحة لخصوصيات الناس وتجاوز للحدود الفاصلة بين الناس. فماذا يسبب هذا الزحام حول حادث مروري في الشارع؟ يقف المارة ليتفرجوا على بشاعة الحادث، وكل منهم يروي مشاهداته لمن حوله، مدعياً أنه شهد وقوع الحادث. سائقو السيارات يبطئون من سيرهم لإلقاء نظرة، وبعضهم يوقف سيارته وينضم لجمع المتفرجين. كذلك في المشاجرات يتجمهر الناس حول المتشاجرين وكأنهم في حلبة مصارعة، ولا يتركون مكانهم إلا بعد انتهاء المباراة أو المشاجرة.
كلنا نمارس أنواعاً ودرجات مختلفة من الفضول، فاذا عرفنا أن فلاناً طلق فلانة، لا شيء سوى أن نعرف، لا نتورع اذا سألنا أحد في أن نقول، بل ونتباهى، أننا نعرف ما لا يعرفه غيرنا، وأننا من عرف الخبر. ويزيد الفضول في مصائب الناس وكوارثهم، أما الأفراح والنجاحات فإننا لا نعيرها اهتماماً مساوياً. وخطورة الفضول تقع على الفضولي وعلى هؤلاء الذين يدس أنفه في خصوصياتهم، فنرى الجارة لا تتدخل لفض الاشتباك بين جارتها وزوجها إلا رغبة منها في معرفة أسباب الخلاف، وهي في العادة لا تنال سوى لكمات الزوج وسباب الزوجة. أما الجارة وزوجها فيدركان بعد أن تعود المياه إلى مجاريها بينهما، أن تدخل الجارة هو الذي زاد النار اشتعالاًَ.
وسواء كان الفضول بحسن نية أو سوء نية. فإن هذا السلوك عادة ما يضر صاحبه ويسبب الحرج للآخرين، واذا جرب أحدنا أن يتدخل الآخرون في خصوصياته ويدسون أنوفهم في حياته بسبب وبدون سبب، فإنه هنا سيشعر بأن بيته أصبح نهباً للفضوليين، والفضوليون هم كل الناس من حولنا.. أنا.. أنت.. كلنا. وهكذا تتباعد المسافات بين الناس وتتزايد الأسرار، وبالتالي يبحث كل واحد عن أخطاء وأسرار الآخر.. والعكس، ونظل كالقط والفأر هذا يخبئ أسراره. وهذا يبحث عنها ليكشفها. ونظل نجري في هذا السباق حتى نقع في شر أعمالنا، وبعضنا أيضاً لا يتعظ.
|