* كولورادو عبدالله بن ربيعان:
نشر على صدر صفحات هذه الجريدة يوم السبت الماضي خبرا يفيد باستمرار ارتفاع معدلات الافلاس بين شركات هونج كونج وجاء على لسان وزيرالخدمات المالية ستيفن ايب ان عدد حالات الافلاس بلغ 1769 للشركات والأفراد على السواء خلال شهر ابريل الماضي بتحسن طفيف عن الشهر السابق له الذي سجل 1790 حالة افلاس.
كان هذا هو الخبر وما يهمنا الآن هو ما وراء الخبر حيث نشرت في الآونة الأخيرة عدة مقالات تبشر بقرب انحدار الاقتصاد هناك نحو الافلاس على غرار ما حصل في الأرجنتين، وبما ان انهيار دولة مهما كان بعدها الجغرافي يؤثر على بقية دول العالم بطريقة أو بأخرى سلبا أو ايجابا، سنلقي الضوء خلال السطور التالية على ما حصل في هونج كونج وما هي أسبابه، والنتيجة المتوقعة منه.
هجرة الشركات المنتجة
لعله من المفيد ان نذكران مشاكل الاقتصاد في هونج كونج جاءت بشكل مباشر أو غير مباشر من قربها الجغرافي والحدودي مع الصين حيث هاجرت خيرة الشركات المنتجة في هونج كونج نحو الصين للاستثمار هناك للاستفادة من كبر حجم السوق وتوافر العمالة والاعفاء الضريبي «ما يفوق الألف شركة كبيرة وفردية هاجرت خلال العام المنصرم باتجاه الصين». وبهذا فقدت حكومة هونج كونج ايرادا ضريبيا عاليا جراء هذه الهجرة، وبقي لها الشركات التي تحتاج لدعم الحكومة لا لفرض الضرائب عليها فليس مستغربا تساقطها وافلاسها، فالصين التي تحقق نموا كبيرا يتجاوز 7% سنويا فيما معظم الدول الصناعية تمر بمراحل كساد جعل النمو العالمي في غالبه لا يتجاوز 2%، أصبحت أكبر جاذب لرؤوس الأموال العالمية ومن بينها بالطبع القادمة من الجار القريب هونج كونج، وكنا قد ذكرنا في عرض سابق ان مجموع ما حول الى الصين من الأموال الأجنبية للاستثمار في أسواقها بلغ 380 بليون دولار خلال السنوات العشر الماضية فلا غرو ان تجذب سوق الصين شركات الجيران والجار أولى بالشفعة وان تسبب ذلك في أزمة للاقتصاد في هونج كونج التي يجب ان تتكيف مع ظروف جارتهاالكبرى، فلا هونج كونج سترحل ولا الصين ستموت كما يقال، فليس لها إلا ان تجد سبيلا لابقاء شركاتها الناجحة للانتاج داخليا بدلا من الهجرة نحو الجيران.
سبب آخر للأزمة في هونج كونج وهو تأثير التباطؤ الذي حل بالاقتصاد الأمريكي على اقتصاد هونج كونج، حيث أثر بشكل مباشر على حجم صادراتها الكبيرة باتجاه السوق الأمريكية.
الاحتياطيات الكبيرة طوق النجاة لهونج كونج:
هونج كونج التي لم تحقق أي رقم موجب للنمو «حيث معدل النمو صفر في العام الماضي 2001» من المقرر ان تخفض الرواتب وان تزيد الضريبة في بعض القطاعات، أعلنت أيضا قبل أسبوع أنها تتوقع عجزا لسنة 2002 يقدر ب5.8 بلايين دولار وهو ما يساوي 5% من الناتج الوطني الاجمالي.
إلا ان هجرة الشركات وان أثرت كثيرا على اقتصاد هونج كونج فلن تؤدي بها الى الافلاس كما يتوقع بعض المتشائمين لأن هذا البلد الصغير الذي يربط عملته بالدولار الأمريكي «دولار أمريكي مقابل 34.7 دولارات هونج كونج كسعر صرف ثابت» يملك احتياطيات مالية ضخمة تجاوز 47 بليون دولار يمكنها استخدامها ساعة الضرورة لتجاوز أزمتها، كما أنها ليست مديونة لأحد «بخلاف الأرجنتين مثلا، التي بلغت ديونها بدون الفوائد 141 بليون دولار».
وأيضا لا تشكل الضريبة في هذا البلد إلا ما نسبته 12% من الناتج القومي فلو فقدت نصفها مثلا فلن يؤدي ذلك لتدمير اقتصادها سيما وهي تملك الاحتياطي الكبير كما ذكرنا، كما ان هونج كونج بلد يطبق حرية الاقتصاد بحذافيرها، فالدولة صغيرة وتدخلها في الاقتصاد محدود فقوى السوق قادرة على الأخذ بيد الاقتصاد نحو الانتعاش حيث يرى بعض الاقتصاديين ان تدخل الدولة بالاقتراض ساعة الأزمة يؤثر سلبا على اقتصادها في المدى الطويل. سبب اضافي آخر للتفاؤل لهذا البلد لتجاوز أزمته وهو ان قربها من الصين جعلها نقطة عبور للصادرات الصينية الكبيرة في اتجاه دول العالم الأخرى فتستفيد من هذا الجوار ربما أضعاف ما فقدته من الضريبة نتيجة هجرة شركاتها الوطنية نتيجة العائدات الكبيرة لقطاع الخدمات هناك من جراء خدمات الشحن والنقل والتخزين وضريبة المرور، كما ان تعافي السوق الأمريكية وزوال فترة الركود التي جثمت على صدرها في العام الماضي مؤشر تفاؤل اضافي لشركات هونج كونج لمعاودة صادراتها الكبيرة الى الولايات المتحدة الأمريكية والاستفادة من حجم سوقها الكبير. ولعلنا مما سبق نتبين ان اقتصاد هونج كونج يمر بأزمة عصيبة، ومما سبق ايضا نعتقد أنها قادرة على الخروج سالمة من هذه الأزمة وأنها مسألة وقت ليس أكثر، والعلم عند الله.
|