هذا العنوان، هو شعار حملة الدفاع المدني للسلامة الشاملة، التي تهدف إلى ترسيخ مفاهيم السلامة العامة، لدى المواطن والمقيم، على أرض هذه البلاد، التي جعلها الله مرنى أفئدة المسلمين، حيث تهفو قلوبهم، وتتجه أبصارهم إليها في عباداتهم، لما خصّها الله به، من وجود الكعبة المشرفة فيها والحرمين الشريفين وسائر المشاعر التي قدسها الله، بالعبادات، وشرّفها بخاصية دون غيرها.
وسيكون موعد الانطلاقة لهذه الحملة يوم الأحد 29/2/1423هـ.
إن الدفاع المدني الذي اهتم به الملك عبدالعزيز منذ انضم الحجاز إلى كيان الدولة، حيث صدر الأمر السامي الكريم بتاريخ 1/1/1346هـ بإنشاء أول فرقة للاطفاء المقيَّدة بالحريق في مكة، وكانت تبعية هذه الفرقة داخلة ضمن نظام البلدية في العاصمة، قد بدأت كما تبدأ الأعمال صغيرة محدودة الإمكانات والقدرات الفنية والعملية، وضمن ميزانية العاصمة المقدسة، وكانت البداية بسيارة واحدة وتعاون المواطن، وإذا بها تتحول في مسيرة قاربت ثلاثة أرباع القرن، إلى جهاز كبير بمعداته وقدراته، ورجاله المدرّبين على اختراق المخاطر من أجل سلامة المواطن.
فمنذ عام التأسيس، حيث كانت البداية متواضعة أدرك المسؤولون في الدولة، أهمية هذا القطاع، وعائد عمله على المواطن، فتوسّعت الدائرة كمّاً وكيفاً، في أطراف البلاد المتباعدة، وهيأت الدولة للعاملين في هذا القطاع، أحدث الأجهزة وأعلى درجات التدريب، وتمرين رجال الدفاع المدنيّ، على تجاوز المخاطر بأنواعها، وافتراض أسوأ الاحتمالات، ليبرز أثرهم عندما تحتدم الأمور..
وما ذلك إلا أن نمط الحياة قد تغيّر، وأساليب المعيشة، وما يطرأ على الناس في حياتهم اليومية، قد تطوّرت ودخل لدى الناس في المدينة والقرية، أساليب جديدة، يتعرّض معها الفرد في المجتمع إلى مخاطر، فكان لابد من وضع الاحتمالات التي يترتب عليها الاهتمام بالوقاية، والتحذير من المخاطر.
وللقفزات التي تمرّ بها البلاد، والسعي الحثيث للأخذ بكل جديد، في كل منحى، كل هذا وأكثر دفع بالمسؤولين في وزارة الداخلية، وفق توجيهات القيادة المدركة، إلى تطوير أجهزة الدفاع المدني، والأخذ بكل مستحدث وجديد: في العلم والتكنولوجيا، والتدريب والتوعية، والمعدات وأساليب السلامة المتلائمة مع كل حالة.
ومع هذا التطور استلزم الأمر الاهتمام بالعاملين في هذا القطاع المهمّ: تعليماً وتدريباً، فأُرْسِلُوا للخارج للدراسة وتطوير المدارك وشُجِّعوا على المشاركة في المؤتمرات المحلية والعالمية.. لتتسع المعارف والإفادة من خبرات الآخرين، حيث صدر الأمر السامي بتحويل المديرية العامة للمطافئ إلى المديرية العامة للدفاع المدني، فكان من اختصاصها الاهتمام بالسلامة، عملاً وتوعية.. في مثل:
إنقاذ المصابين في الكوارث، والبحث عن الضحايا والمحتجزين تحت الأنقاض، والمفقودين.
توعية المواطنين صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً وتثقيفهم على الأعمال، والوقاية من مخاطرها، سواء في المنزل أو المصنع، أو في الحقول والمزارع الصغيرة.
المساهمة في إعادة الحياة الطبيعية، إلى المناطق المنكوبة، وطمأنة المواطن وتحمّل المشاق من أجله.
إنشاء المخابئ العامة، والإشراف على إنشاء المخابئ الخاصة، تحسّباً للطوارئ قبل وقوعها.
مراقبة تنفيذ وسائل الأمن الصناعي في المنشآت الصناعية والتجارية والمستودعات والمرافق العامة.
الاهتمام بالتوعية الأمنية، وسلامة الأطفال، بوضع تمرينات، وإرشادات عن المخاطر في المنازل: البوتوغاز وكيفية استعماله والوقاية من الأضرار، بإبعاد موطن الخطر، في الأدوية والمواد الضارّة، الاهتمام بالأمور القابلة للاشتعال، وإبعادها عن التناول: لغير المدركين والأطفال، ومراقبة الصغار، عن تناول ما يضرّهم كالمواد السامّة والألعاب والكهرباء والأشياء المشتعلة أو الحادة والقابلة للاشتعال.. حتى لا يضرّوا أنفسهم ويجلبوا الضّرر لغيرهم، لعدم معرفتهم بما يضرّهم.
التوعية المستمرّة بأهمية الوقاية، والتّدريب على أجهزة الاطفاء الصّغيرة التي يحتاجها في المنزل، أو السّيارة لما في الاحتساب للأمر والمعرفة، من أهمّيّة في الوقاية.
ولاهتمام الدولة بالدفاع المدنّي، أنيطت به أساليب السلامة، ويسّرت للعاملين فيه السّبل لتوعية فئات المجتمع، بما يعينهم على إدراك المخاطر قبل وقوعها، والتّعامل معها عندما تقع، لأن درهم وقاية خير من دينار علاج..
وكبرت مسؤولية الدّفاع المدني، عندما تشكّل أول مجلس للدفاع المدني، بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 9 وتاريخ 16/1/1387هـ، حيث بدأ التعاون بين وزارة الداخليّة، الوزارات والقطاعات والمؤسسات والهيئات، التي يعنيها أمر حماية الأرواح والممتلكات العامّة والخاصّة.
فرجال الدفاع هم من يسهرون لراحة المواطن، ويتعبون للمحافظة على الممتلكات من الكوارث: إعانة في العمل عند حصول الكارثة، وحصر الضرر بأضيق الحدود، آخذين في الاعتبار المحافظة على الأرواح أوّلاً، لأن النّفس أغلى من المال..
فهي مهنة المتاعب، ولكن بالاحتساب والحرص على أعمال الخير، يتحوّل العمل مع النيّة الصّالحة، إلى عمل يؤجرون عليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، ولأنهم يساعدون الضعفاء والعاجزين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم».. فكن يا أخي المواطن لهم مرشداً ومعيناً، وارفع من مكانتهم بالدعاء لهم عندما تراهم يعملون حسب مهمّاتهم، فهم جديرون بذلك حتى يشعروا بتفاعل المجتمع معهم.
عمر وعماله
ذكر ابن أبي الحديد: أن عمر بن الخطاب كان جالساً في المسجد، فمرّ به رجل فقال: ويلٌ لك يا عمر من النار، فقال: قرّبوه إلي، فدنا منه فقال: لم قلت ما قلت؟ قال: تستعمل عمالك وتشترط عليهم، ثم لا تنظر هل وفوا لك بشرط أم لا؟ قال: وما ذاك؟ قال: عاملك على مصر اشترطت عليه، فترك ما أمرته به، وارتكب ما نهيته عنه، ثم شرح له كثيراً من أمره.
فأرسل عمر رجلين من الأنصار، فقال لهما: انتهيا إليه فاسألا عنه، فإن كان كذب عليه فأعلماني، وإن رأيتما ما يسوءكما، فلا تملِّكاه من أمره شيئاً، حتى تأتيا به.
فذهبا فوجداه قد صدق، بعدما سألا عنه، فجاءا إلى بابه، فاستأذنا عليه، فقال حاجبه إنه ليس عليه دخول اليوم، قالا: ليخرجنّ إلينا، أو لنحرقن عليه بابه، وجاء أحدهما بشعلة من نار.
فدخل الآذن فأخبره فخرج إليهما، فقالا: إنا رسولا عمر إليك لتأتيه، قال: إن لي حاجة تمهلانني حتى أتزوّد. فاحتملاه في الحال، وأتيا به عمر، فلما أتاه سلّم عليه فلم يعرفه، وقال: من أنت؟ قال: أنا عاملك على مصر، أنا فلان، قال: ويحك، ركبت ما نهيتك عنه، وتركت ما أمرتك به، والله لأعاقبنّك عقوبة شديدة، ائتوني بكساء من صوف، وثلثمائة شاة من غنم الصدقة، ثم قال: البس هذه الدّرّاعة، فقد رأيت أباك وهذه خير من درّاعته، وخذ هذه العصا، فهي خير من عصا أبيك، واذهب بهذه الشّياه، فارعها في مكان كذا، وذلك في يوم صائف.. ولا تمنع السّابلة من ألبانها..
فلما ذهب ردّه، وقال: أفهمت ما قلت؟ فضرب بنفسه الأرض، وقال: يا أمير المؤمنين لا أستطيع هذا، فإن شئت فاضرب عنقي، قال: فإن رددتك فأيّ رجل تكون؟ قال: والله لا يبلغنّك بعدها إلا ما تحبّ، فردّه فكان نعم الرّجل.
|