(يظهر المشهد داخل أحد المصاعد وفيه رجل لم يكمل تأنقه في المنزل، ولأنه متأخر على عمله فقد أكمل تزيُّنه في المصعد بأن رش على إبطيه رائحة زكية ثم لبس معطفه وخرج.. في هذه الأثناء دخل المصعد رجل دميم ومنكوش الشعر ثم دخل معه في المصعد امرأة وكان المصعد طبعاً يضج برائحة المعطر الزكية التي رشها الرجل السابق.. وقد شمت المرأة هذه الرائحة الآسرة الجاذبة كما يوحي الإعلان فماذا تم؟!
الإعلان يريك كيف أن المرأة تتلمظ وتنظر بعين نهمة إلى هذا الرجل الذي يتصدد عنها ويتمنع حياءً.. لكن الرائحة أقوى وأغلب من براءة هذا الرجل المسكين، ولهذا لم تراوده المرأة فقط بل قامت هي باغتصابه! والإعلان يعطيك هذا الإيحاء عندما يصل المصعد الى محطة الوقوف وينفتح الباب فيما المرأة والرجل يكملان لبس ملابسهما المخلوعة).
انتهى الإعلان، فهل بعد هذا التفسخ والانفلات من شيء؟ أنا على يقين أن كل عائلة (رجالاً ونساءً) يجمعها مجلس يتقاطرون حياءً وتوارياً من هذا الإعلان السافل فماذا بيدهم؟.. وماذا يفعلون؟
لا تقل أغلق التلفاز أو غيّر القناة فكل هذا مقدور عليه على المدى المتاح، لكن ماذا يفعل الآباء والأمهات في الوقت غير المتاح لهما للتحكم في المشاهدة عندما يخلو البيت للصغار بنين وبنات المسألة برمتها تدخل تحت طائلة الإحساس بالمسؤولية ومواثيق الشرف التي يجب أن يستشعرها ويوقعها رجال الأعمال من ممولين ومعلنين والذين يشكل المعلن السعودي منهم نسبة ال99% وما دام أن الربحية هي الهدف فلن يرتدعوا مالم تتدخل بعض الجهات لتوجيه الإعلان وتقنينه وضبطه.. لاحظ أنني لم أقل نمنع الإعلان ولكن نردعه ليعتدل.
كما أرجو ألا يقولَنَّ أحد: لماذا لاتلغي الدش تماماً؟ فالمشكلة هنا لاتخصني بقدر ما تخص معظم أفراد المجتمع هنا وفي العالم العربي والذين يتحلقون حول التلفزيون منذ أن كان تحت سيطرة القنوات التلفزيونية الرسمية وإلى أن صار التوسع يتم بواسطة «الدش» وإلى أن يصير قريباً جداً لا حاجة للدش فالجهاز التلفزيوني نفسه قادر على التقاط كل ماتبثه الأقمار الصناعية الهائمة في الفضاء.
كنت قلت قد حذرنا مبكراً من هذا المدّ ودعونا لاتخاذ بعض التدابير، لكن دعوتنا طارت في الهواء ولم نسلم من تبعاتها، بل رأى البعض حينها أننا نبشر بهذا القادم وعلينا أن نصمت..
وهكذا لم تفلح كل المحاولات الفردية التي قام بها بعض المحتسبين المخلصين في ذلك الحين من خلال الاعتماد على بندقية «أم صتم» أو «الساكتن» لأن الدش الذي كان كبيراً يربض فوق سطوح المنازل تصاغر حتى صار يمكن وضعه فوق جهاز التلفزيون بقدر لا يسمح لأمهر القناصة باصطياده.
|