روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع منافقا ينال من عروبة «سلمان الفارسي»، دخل المسجد مغضبا وقال: «أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي».
الفكرة الجوهرية التي يتمحور حولها هذا الحديث الشريف، هي بذرة التعددية وقبول الآخر والتعايش وإياه في الإسلام، وهو المجال الذي من الممكن أن ينبلج أمامنا شاسعا رحبا لإيجاد صيغ لا متناهية من العيش مع الآخر، خارج الصراعات العرقية والمذهبية الطاحنة التي شوهت المشهد التاريخي في ماضينا والحالي في علاقتنا مع الآخر.
هذه الدار الإسلامية الرحبة المنفتحة على القيم والمثل الكبرى في الكون، والمتجهة نحو إيجاد مظلة إنسانية تقبل الآخر وتمنحه تأشيرات القبول فقط من خلال هويته الإنسانية.
ولا أدري لم يختفي هذا الحديث في هامش طروحات الكثيرين في الحياة اليومية؟؟
وننصرف عنه بالبحث عن الفروقات والنعرات ونقاط الاختلاف، تلك النقاط التي تفضي بنا إلى متاهات شاسعة، وكهوف دامسة تتمترس بداخلها كل فرقة، لتهاجم الفرقة الأخرى وتدعي بأنها وحدها هي الفرقة الناجية دون العالمين.
ويبدو بأن هذا الأمر ليس جديدا أو طارئا على نسيجنا الثقافي بل صاحب بواكير الدعوة الإسلامية وعندما أفلحت السياسة في تسييس الدين وتحويله إلى وسيلة دنيوية تخدم مصالح جماعات معينة.
واحتشدت الحركات الإصلاحية الكبرى عبر التاريخ بهذه الطروحات، التي تذيب جدران الفروقات وتزيلها رضوخا للسنة الكونية التي تتبدى ملامحها في الكوكب الأزرق الجميل المتعدد الأعراق والألوان والتضاريس والمناخات.
وأي خروج على هذا الانسجام الكوني الكبير هو مروق ونشاز بشري، يفسد إبداع الله في كونه.
وتتميز الطبيعة الصحراوية بالحذر والتوجس من كل طارق أو قادم، لأن هذا القادم من الممكن أن يحمل بين أعطافه الموت أو الفناء تبعا لقانون الحياة الشرس في الصحراء.
لذا يبدو من الصعب أن نظل نحمل هذا القانون في أعطافنا وفي قيعان قلوبنا بعد تغير الواقع البيئي الذي كان ينتج القانون السالف الذكر.
كل جديد وطارئ هو مغامرة.. مغامرة لعقولنا ولأفئدتنا.. مغامرة لمساحاتنا وحدودنا وعقولنا في هذا الكون الفسيح الذي يرفض التقوقع والخوف والريبة.. ويحرض على الاكتشاف والتفكر والتدبر.
والماء الراكد المسموم فقط.. هو الماء الذي لا يجري.. لا يتحرك.. ولا يغادر مواقعه القديمة.
|