واستوت المائة إلا عشر...، وكنتُ يا سيدتي أوشكُ أن أدلف معكِ، إلى مُنْحنى الصَّمت...
ذلك لأنَّ البوح.. فاض...، وأنَّ شيئاً لابد أن يبقى، في الكتمان بيننا...
أدركُ أنَّ نماذجكِ قليلة، وأدركُ أنَّ الحاجة إليكِِ، وإلى حِكمتكِ كبيرة...، وأدركُ أنَّ فقداً لأمثالكِ، مثلبةٌ للحياة...، وأدركُ أنَّ الإنسان في معيَّتها، يحتاج إلى ضوء قنديل مثاليَّتكِ...، لكنَّني أيضاً، على يقين، بأنَّ لقاءكِ الذي عَبَر بهم تسعين محطةً، كفيلٌ بأن لا يُنسيهم، بوصلات الدروب، ولا اتِّقاء العثرات فيها...
اليوم بكِ أقفُ كي ألوَّحَ بالصَّمت...
والصَّمت في كثير، هو تلك الورقة البَلْسمية، التي ما إنّ تُوضع على ثقوب الجروح، إلاَّ وتدملها، ولا على بؤر الأحزان، إلاَّ وتَكْلُمها....، ولا على ثَبْج الدَّموع، إلاَّ وتُلْجمه...
وأدري كما هم يدرون، أنَّ كُتل الأحزان الرَّابضة على الصدور، المُنْبثقة عنها، المُتَبوتقة في جَوْفها، سوف لن تبقى. ذلك لأنَّ لا بقاءَ، لما لا بقاءَ له البتَّة، وأدري كما تدرين، وكما أردتِ لنا جميعنا أن ندري، أنَّ لا شيء يبقى، وأنَّ الإنسان يحملُ في صفاته كثيراً من اسمه، فهو الذي ينسى، ومادام هو كذلك، فليس ثمَّة ما يجعلني أقلق، ذلك لأنَّه سيطوي المسافات، وسيلحق بمقصورات الرَّحيل، ولسوفَ يعبر بالدَّروب، والمحطَّاتِ، ويشاهدُ الشَّواطئَ، والمراكب، وسيتفيَّأَ أشجارَ المرافىء، ويستريحُ في أكواخها قليلاً، من وعثاء الرحَّيل، وما يلبث أن يغادرها، ويمضي...
غير أنَّّه جُبل على تركِ شيء من أشيائه، ذلك لأنَّه ينسى، وفي حالة أن يتركَ من خلفه أثراً، فإنَّ أنين الأكواخ، سيجلب لها زغب الطيور، فالطيور، تأوي إلى مراكن الدَّفء، والأنين، ذلك لأنَّّها تتغذَّى بالحنين، والحنين دوماً يولد في أعقاب الفقْدِ،
وأنتِ خلَّفتِ الكثير من الحنين، لكنَّكِ ببُعْدكِ توالد الأنين...
ولقد مررنا بأكواخ شواطئكِ، ومرافئكِ، وانتهلنا...
وسوف نعبر إلى ما هو أبعد، من رؤى الإنسان، ورؤية بصره...
سوف نرحلُ إلى مدن التَّأمل، والسُّقْيا...، ولسوف نزوِّد عروقنا، برُواء الآمال، وبذور الأحلام...
ليس ثمَّة من استمرار دون حلم...
وليس ثمَّة من حلمٍ دون أمل...
وليس ثمَّة من حلم، وأمل، دون رحيل في أعقاب حِداءِ، لا يرضى الوقوف على الأطلال...
ولا تستهويه فلوات الرَّمْضاء، ولا هجير الزَّمهرير...
بعد التسعين سوف نأوي، إلى الصَّمت النَّاطق...
ذلك لأنَّ ثمَّة ما سوف تتركينه لهم...، كي يتأمَّلوا...
ذلك لأنَّهم ، يحتاجون لمزيدٍ من الأحلام...
وعند مركبة الحلم...
لن نعاود الانشطار...
سوف نفتح المحارات...
وعندها سوف نملؤها.. بحنين النوَّارس، وبكاء اليمام، وهديل الحمام...
ولسوف نتبع الحادي إلى آفاق البحار، في رحلة أبدية لا تنتهي...
وأنتِ وحدكِ من يضيئها...
|