* القاهرة - مكتب الجزيرة -بهاء محمد - أحمد عبدالفتاح -تونس :
ما بين الأحزان والأحزان مسافات قصيرة فما كادت مصر تخلع ثوب أحزانها فيت حادث قطار الصعيد وقبله حادث الطائرة البوينج 777 قبالة الشواطئ الأمريكية حتى جاءت فجيعة الطائرة بوينج 737 التي تحطمت في تونس لدى محاولة قائدها الهبوط اضطرارياً في مطار تونس قرطاج الدولي وبسبب سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة والضباب الكثيف اصطدمت الطائرة بسفح تل على مسافة 6 كيلو مترات من مطار تونس لتتحطم الطائرة ويروح ضحيتها 18 شخصا ويصاب 49 آخرون.
وفور إذاعة النبأ لف الحزن الجميع وهرعت أسر الضحايا والمصابين من مصر إلى مطار القاهرة وهم في ذهول يبحثون عن أية معلومات واردة أو شاردة عن ذويهم من ركاب الطائرة.
عاشت معهم «الجزيرة» أحزانهم واستمعت إلى قصصهم المبكية طغى اللون الأسود لون الحداد على مطار القاهرة الدولي حيث تجمعت أسر الضحايا وشكلوا مشهداً مهيبا داخل المطار فمنهم من يهرع باكياً ومنهم من يقوم بالاتصال من هاتفه المحمول وهو يبكي وآخرون يرفعون أياديهم بالدعاء إلى الله.
اقتربنا من سيدة تبلغ من العمر أكثر من 60 عاما تلتف بحزنها وبكائها وتقف في حالة ذهول تام هي والدة كابتن الطائرة أشرف أحمد عبدالعال الذي تأكدت وفاته ولم ترد في البداية على أية كلمات أو تساؤلات إلا بعد التأكد على سلامة ابنها وحينما أكد لها رجال المطار وفاته انهارت قواها وراحت في بكاء مستمر ثم قالت بصعوبة بالغة {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ} كان أشرف وعدني بسرعة الحضور إلا أنه لم يأت وانتقلت لصالة كبار الزوار في انتظار وصول الجثمان.
وتمتد خيوط الدموع إلى أسرة المضيف الجوي مؤمن مصطفى الذي توفي في الحادث وكانت زوجته وشقيقتها في حالة انهيار كامل قالت شقيقته بصعوبة بالغة انه فور علمنا بالنبأ الفاجع انتظرنا قليلا لعل مؤمن يتصل بنا ويطمئننا لكنه لم يتصل فهرعنا إلى المطار لاستكشاف الأمر حتى تأكد لنا النبأ الفاجع الأليم وقالت: ان مؤمن كان قد تزوج حديثا وأنجب ابنا عمره ستة أشهر فقط وقد توجه إلى المطار ليلحق بطاقم الضيافة بالطائرة المنكوبة في رحلتها إلى تونس بعد ان قام بتوديع زوجته وابنه وكأنه كان الوداع الأخير وكان من المفترض عودته ليلاً في نفس اليوم وعندما تأخر عن موعد وصوله شعرنا بالقلق وكلما كان الوقت يمر يزداد قلقنا وخوفنا، بعدها فوجئنا بالنبأ غير أننا انتظرنا قليلا لعلنا نستمع إلى صوته آتيا عبر الهاتف ولم نتمالك أنفسنا في الانتظار فهرعنا إلى المطار وعن طريق غرفة العمليات بشركة مصر للطيران عرفنا أنه من بين المتوفين.
وبدموع مختلطة بالسعادة كانت تقف دينا ابنة رئيسة التليفزيون المصري ميرفت رجب التي كانت ضمن ركاب الطائرة المصرية ولكنها كانت أحد الناجين واتصلت بأسرتها في القاهرة لتطمئنهم على حياتها من داخل أحد مستشفيات تونس.
تعول دينا التي كانت بصحبة شقيقتها يسر في انتظار وصول والدتهما ميرفت رجب ان والدتهم اتصلت بهم وقالت: انها بخير وقد أصيبت بكدمات ورضوض بسيطة وأضافت والدموع المختلطة بالسعادة تسبقها والدتي كانت في طريقها للسفر إلى تونس صباح الثلاثاء في مهمة عمل على طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية لكنها نسيت البطاقة الصفراء الخاصة بسفر العاملين بالحكومة وعادت للمنزل لأخذها حتى تلحق بالطائرة ولكن حدث ان تأخرت عن الموعد ولقدرها استقلت الطائرة المنكوبة وحدث ما حدث والحمدلله على نجاتها.
ومع الدموع المختلطة بالسعادة ايضا عاشت أسرة المضيفة الجوية رانيا صبري حيث أكدت شقيقتها والدموع تنهمر من عينيها ان خبر سقوط الطائرة جاءنا عبر الهاتف بمنزل الأسرة بالعباسية، وكنت مع والدي ووالدتي فعشنا في أقسى لحظات الرعب والبكاء الهستيري حتى فوجئنا باتصال ثان وكان على الطرف الآخر صوت رانيا وفي كلمات خاطفة أخبرتنا بنجاتها غير انه انه لم تكف دموعنا عن الانهمار فذهبنا للمطار لأننا لن نتأكد إلا بوصولها إلينا.
وفي حالة هستيرية يقف أحمد عبدالكريم وتنهمر الدموع من عينيه بغزارة ويتفوه بكلمات متناثرة اقتربنا منه وفي صعوبة قال لي ولداي هشام وأحمد وزوجتي التونسية قد سافروا على الطائرة المنكوبة وراحوا جميعا ضحيتها،، كانوا كل ما أملك في هذه الحياة، فقد تعرفت على زوجتي التونسية في إحدى زيارتي لتونس للعمل، وتزوجنا وأقمنا بالقاهرة وأنجبت زوجتي ولدين، وقمنا بزيارات كثيرة لأسرة زوجتي في تونس ولكن بعد مرور ثلاث سنوات ونصف لم أكن أتخيل ان هذه الزيارة هي زيارة الوداع فقد كانت الأمور تسير بشكل عادي جدا فزوجتي والأولاد كانوا قد سافروا وحدهم كثيرا من قبل إلا أنني وفي هذه الزيارة تحديدا كنت أرغب السفر معهم ولكن حدث ان حال عملي دون الزيارة معهم وقمت بتسفيرهم وقلت لهم سألحق بهم فورانتهائي من عملي ولكن حدث مالم أكن أتوقعه وحل المصاب الجلل ولا أملك حاليا إلا القول «إنا لله وإنا إليه راجعون» وبدلا من انتظار أسرتي وتهنئتها على العودة سالمة أنتظر الآن وصول جثثهم.
مأساة أخرى تتجسد في فتاة تقف وحيدة تارة وأخرى تنضم لشقيقتها الكبرى ووالدتها وينخرط الجميع في بكاء حار قمنا بمواساتها في والدها الذي سافر على الطائرة المنكوبة حيث يعمل محاسبا بإحدى الشركات هناك تقول يعمل أبي محاسبا في أحد أفرع شركات البترول ويتوزع عمله ما بين القاهرة وتونس وأحيانا نسافر معه لقضاء نصف الشهر والنصف الثاني نقضيه بالقاهرة وهذه المرة سافر وحده وقد علمنا بالحادث من التلفزيون، وفور سماعنا الخبر المشؤوم اتصلنا بهذه الشركة بالقاهرة ولكن لم نتلق أية معلومات فهرعنا جميعا الى المطار وهنا كانت الصدمة الكبيرة ان والدي من ضمن الضحايا ولا حول ولا قوة إلا بالله كان أبي يريد تأجيل هذا السفر ولكنه عاد في اللحظات الأخيرة ليقرر السفر وقام بالحجز على هذه الطائرة وتركتنا الابنة لتنخرط في بكاء متواصل وفي انتظار جثمان والدها.
على جانب آخر تقف سيدة في العقد الرابع تختلط دموعها بسعادة على نجاة زوجها من الطائرة وقالت ان زوجي يعمل مستشارا لاحدى الشركات الخاصة كما أن لدي ولدين يدرسان بأمريكا وعلى اتصال دائم بوالدهم وقالت علمت بالحادث من التلفزيون فأحسست بانقباض شديد وبعد ساعة واحدة مرت عليَّ كالدهر لا أعرف ماذا أفعل رن جرس الهاتف فأسرعت للرد وكان المتحدث هو زوجي فقلت الحمدلله وطمأنني على حالته وقال: انه أصيب اصابة بسيطة في يده اليسرى استلزمت نقله لأحد المستشفيات بتونس حيث تم اجراد عملية جراحية له وأنا هنا أستعد للسفر اليه حتى أكون بجانبه هناك والاطمئنان عليه بنفسي.
وفي تونس اعلن عن العثورعلى الصندوقين الأسودين للطائرة فيما غادر 23 من بين الجرحى المستشفيات التونسية التي ادخلوا اليها أمس الأول عقب سقوط الطائرة.
وتعكف لجنة تحقيق فنية تونسية مصرية على تعرف أسباب الحادث في ضوء ما احتوى عليه الصندوق الاسود والاتصالات التي تمت بين الطيار وبرج المراقبة الجوية في مطار تونس قرطاج.
واوضحت مصادر الطيران المدني التونسي ان المحققين يبحثون في الاسباب الفنية الكامنة وراء الحادث الذي وقع بينما كانت حركة الطيران تجري بصورة عادية فوق المطار.
وتضم اللجنة خبراء من الديوان التونسي للطيران المدني والمطارات وخبراء من الطيران المدني المصري كما و صل أمس الى تونس خمسة خبراء من الشركة الأمريكية بوينغ لصنع الطائرات للانضمام الى لجنة التحقيق عملا باتفاقية شيكاغو للملاحة الجوية لسنة 1944م.
|