* واشنطن خدمة الجزيرة الصحفية:
هل كان أسامة بن لادن في جبال تورا بورا في النصف الأول من ديسمبر؟ وهل كان قرار الولايات المتحدة بالاعتماد على القوات الباكستانية وليس الأمريكية، لسد طرق الهرب من تلك الجبال هو الذي سمح لابن لادن بالهرب خلال حملة القصف المكثف في ذلك الشهر؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك القرار يعتبر بالتأكيد من أفدح الأخطاء التي ارتكبتها حملة عسكرية ذكية نفذتها الإدارة الأمريكية، لمعرفته الجيدة بالمخاطر المترتبة على ذلك، فإن وزير الدفاع دونالد رمسفيلدن في وجود أية أفكار في شأن التكتيكات الأمريكية المتبعة خلال حملة تورا بورا، وحتى الأسبوع الماضي فإنه نفى أن يكون مكان ابن لادن قد عرف في صورة مؤكدة في شهر ديسمبر، وعبر عن عدم وجود اي تحفظات على الاعتماد على مقاتلين محليين على الأرض لسد طرق الهرب الممكنة، لكن هؤلاء المقاتلين المحليين كانت تنقصهم تكنولوجيا الرؤية الليلية، مثل الملابس الدافئة لقضاء الساعات الطوال في مراقبة منافذ الهرب المحتملة، الحركات التكتيكية في ميدان المعركة (ما عدا أقدامهم أو حميرهم) وقبل كل شيء، الدافع نفسه لوقف مقاتلي القاعدة المتوافر لدى الجنود الأمريكيين، إضافة إلى ذلك، فإن مراجعة للإيجازات الصحفية الصادرة عن البنتاغون منذ ديسمبر تشير بوضوح إلى أن هناك إجماعا أمريكيا قويا تشكل في ذلك الوقت على أن ابن لادن كان على الأرجح في تورا بورا.
ففي الثالث من ديسمبر ذكر جون ستافلبيم في إيجازه الصحفي اليومي الصادر عن البنتاغون قال إن ضواحي جلال أباد وتورابورا «مناطق كان يستخدم فيها أسامة بن لادن بعض ثروته لشراء معونة زعماء القبائل في القرى المحلية المجاورة»، وفي وقت لاحق قال ستافلبيم في إيجاز له إن قائد قوات السنتكوم الجنرال فرانكس قد عبر عن اقتناعه بأن قيادة القاعدة قد تكون في المنطقة الجنوبية لجلال أباد، وبأن ذلك هو السبب في أننا كنا نركز جهودنا هناك، في ديسمبر ضم نائب وزير الدفاع بول وولفيتز صوته إلى ذلك الإجماع، فقد تحدث عن ابن لادن خلال الإيجاز الصحفي اليومي قائلا: «الدليل الأفضل لدينا عن مكان وجوده، يشير على الأغلب في تلك المنطقة، «وفي السابع عشر من ديسمبر، تغيرت الأمور، إذ رد ستافلبيم على سؤال عن احتمال وجود ابن لادن في أو حول جبال تورا بورا، قائلا «قبل بضعة أيام، كنا نعتقد أنه كان في تورا بورا، والآن لسنا متأكدين بالدرجة نفسها لأننا لا نملك كثافة الحركة نفسها في مستوى حركة (الأصوات التي يتم اعتراضها) والتي نراقبها بحيث نعرف شيئا عن هذا الأمر».
ومن الواضح أن جميع المؤشرات تدل على أن القيادة العليا للقاعدة كانت في جبال أفغانستان الغربية في منطقة من عدة عشرات من الكيلومترات، في بدايات ديسمبر، ومنذ ذلك الحين عزز الأسرى الذين تم احتجازهم هذه التقارير، لم يكن هناك أبدا تأكيد تام، ولكن كانت هناك أرضية وافرة للقيام بعملية أمريكية كبيرة للتقليل من فرص نجاة قيادة العدو من القنابل الأمريكية، ربما من خلال تسللهم ليلا أو من خلال شراء مجموعات مسلحة افغانية بحيث تنظر في اتجاه مختلف في وقت مناسب.
ومن المؤكد أن بوش ورامسفيلد على حق في أننا قد أنجزنا الكثير حتى لو أن القيادة العليا للقاعدة قد نجت، وأن علينا ألا نبالغ في «شخصنة» هذه الحملة العسكرية، إن هذا يشير إلى أن ابن لادن قائد يتمتع بحضور قوي لديه الدوافع والأموال وشبكة ممتدة حول العالم من الإرهابيين؛ وهو وكبير مساعديه أيمن الظواهري يمدونها بكثير من القيادة التنظيمية والتكتيكية أيضا، ولو كانا قد اعتقلا أو قتلا في الحملة على تورا بورا فإن نجاح العملية المسماة «الحرية الراسخة» كانت ستكون أقل غموضا، ومن الطبيعي أن ابن لادن والظواهري قد يكونان ميتين، وفي هذه الحالة فإن النقد السابق سوف يفقد أهميته فورا، ومن سوء الحظ أن المخابرات الأمريكية لا تؤمن بأن تلك هي الحالة، أو ربما أن تطبيق القانون وعمل المخابرات سوف يتبع في النهاية أولئك الأشخاص وغيرهم من قادة القاعدة، كما حدث حين اعتقلت القوات الأمريكية والباكستانية أبو زبيدة قبل بضعة أسابيع، ولكن ربما لا يكون الأمر كذلك، هل كان حقا من الممكن للقوات الأمريكية أن تمنع ابن لادن من الهرب؟ كان الأمر عندئذ في حاجة إلى بضعة آلاف من القوات الأمريكية لضرب طوق حول تورا بورا.
وفي نهاية نوفمبر، لم يكن لدى القوات الأمريكية سوى بضع مئات من الجنود الأمريكيين، ولكان من الصعب الوصول إليهم في جبال تورا بورا، ولكن حتى لو كان هناك نحو ألف جندي أمريكي، فإنهم كانوا سيفعلون الكثير لإغلاق طرق الهرب إلى باكستان في الجبال الرئيسية والتي يبلغ عددها ما بين مئة و150، ولو كان هناك مزيد من القوات لتم نشرها بسرعة في البلاد لتضييق الخناق أكثر، وفي حين كان نشر أعداد كبيرة من القوات البرية الأمريكية في تلك المنطقة في ديسمبر سيكون أصعب، فإنه من الصعب القول إنه كان مستحيلا، ووفقا لقوات «سنتكوم» فإن مثل هذا الجهد كان سيستلزم إدخال القوات الجوية في صورة مرتجلة، وذلك ضمن أمور أخرى.
وكما دلت «عملية أناكوندا» بعد ثلاثة أشهر من ذلك، فإن القوات المسلحة الأمريكية قادرة على القيام بهذه المهمات المتحدية، فبسبب تصميمها الاساسي وتجديداتها التكتيكية والتعاون الفعال في صورة ملحوظة مع قوات المعارضة الأفغانية، فإن عملية «الحرية الراسخة» كان من المحتمل أن تتحول إلى تجربة فريدة في تاريخ القوات الأمريكية العسكري، ولكن لو كان ابن لادن قد هرب حقا من تورا بورا في ديسمبر وتمكن من شن هجمات مرة أخرى فإنها سوف تذكر باعتبارها تحفة فريدة في الإخفاق.
* عن «جابان تايمز» |