Thursday 9th May,200210815العددالخميس 26 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الأفغان يعتبرون ما حدث أشبه بالمعجزة الأفغان يعتبرون ما حدث أشبه بالمعجزة
عودة الحياة الطبيعية إلى كابل بعد انقشاع غيوم الحرب

  * كابل خدمة الجزيرة الصحفية:
نظر جندي المرور المتأنق في قفازه الأبيض وقبعته إلى حركة المرور الكثيفة بلا حراك؛ فقد كان سير العربات يتدفق حوله من كل الاتجاهات وتكاد تلتصق بعضها ببعض مخرجة عادما أسود، فقد كان ذلك مشهد كابل الجديد الذي لم تألفه من قبل: ساعة الذروة.
ففي كل صباح يمتد طابور السيارات من ميدان «أريانا» متخطياجنود الحراسة الذين دربتهم القوات الدولية على أبواب وزارة الخارجية، ثم بعد ذلك متخطية السجن المملوء بالمساجين، فنقطة الشرطة تعلوها أبراج اللاسلكي الجديدة التي منحتها لها القوات الدولية، ثم صف سيارات «لاند كروزر» خارج مقرالأمم المتحدة، ثم نهاية بمباني السفارات التي أعيد تجديدها التابعة لعشرات الدول الأجنبية.
وفي مواجهة موقف سيارات كابل العمومي كان هناك صف من المطاعم التي تم افتتاحها مؤخرا، والتي ازدهرت الحركة التجارية فيها، كما يتجمع الرجال حول الأكشاك التي تبيع الوجبات الخفيفة والبالونات والفواكه، وبجوار مطعم «هيرات» والذي كان المطعم الوحيد الذي يمكن الأكل فيه منذ أربعة أشهر كان هناك محل لأجهزة الكمبيوتر المحمولة ومستلزماتها، والبازارات أصبحت مزدحمة، كما أصبح في الإمكان أن ترى بعض النساء بين الحين والآخر يسرن من دون البرقع في كابل، فهذه هي كابل الجديدة، ومن يتذكر فترة حكم طالبان سوف يكتشف أن التغيرات أصبحت مذهلة، فلم يكن المثير انتهاء تطبيق أحكام الإعدام في استادات كرة القدم، ولكن ذلك النشاط والحيوية والأعداد الملحوظة من الزبائن وحركة البيع والبناء والتكسب، ولكن هناك بعض المظاهر السلبية، فإن حركة الازدهار الجديدة قد جلبت المزيد من أشكال الجريمة، فقد أصبحت حالات السرقة من مظاهر الحياة اليومية، طبقا لأحد كبار مسئولي قوات حفظ السلام ISAF، ومن دون دوريات القوات الأوروبية التي تجوب شوارع كابل في عرباتها المصفحة الشبيهة بالصناديق، فإن أي بضاعة تترك من دون حماية سوف تختفي في الحال.
كما أصبحت جرائم القتل والاعتداءات أكثر انتشارا عما كانت تحت حكم طالبان، كما ارتفعت أسعار الإيجارات نسبيا مع قدوم أعداد اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الإعاشة في مدينتهم.
وفي السوق السوداء يباع قميص فريق «مانشستر يونايتد» بخمسين دولارا، ولكن بالنسبة لسكان كابل فإن التغييرات كانت أشبه بالمعجزة.
فقال مرويز شاه «42» عاما التاجر الذي نزح إلى باكستان عندما بدأ المجاهدون في تدمير المدينة في عام 1992، قال: «أنا أشعر بأنني قد استعدت مدينتي ثانية»، وهو يدير مجموعة من الأكشاك التي تبيع الشجيرات على الطريق المؤدي إلى المدينة ويعتبر أن ذلك يمثل أحد عوامل ثقته بأن أفغانستان قد عادت ثانية؛ فقد قال ل«الأوبزرفر» اللندنية: «إن تجارة الأشجار نوع من أنواع الاستثمار طويل الأجل، وهذه مقولة شهيرة؛ فأنت لا تشتري واحدة إذا كنت تعتقد أنك سوف تجبرعلى الرحيل في القريب العاجل»، ولكن لا يزال هناك كثير من المناطق في أفغانستان لا أحد يشتري فيها أية شجيرات بعد، فقد كانت شيرين جول تصنع الشاي لزوجها وابنتها في الساعة التاسعة صباحا، عندما انطلقت فجأة قذيفة مورتر من عيار 81 مم.
واتجهت القذيفة على شكل قوس في صفحة السماء الزرقاء قبل أن تهوي محطمة سقف منزلها المتواضع المصنوع من الطين والخشب، في أحد ضواحي مدينة جارديز في شرق أفغانستان، وعندما انقشع الغبار.. كانت شيرين جول وابنتها ذات السنوات الخمس قد فارقتا الحياة.
وقال زوجها حاجي شاه محمد: «إننا لا ندري لماذا يقصفون المدنيين، لقد حدث لنا الكثير من الفظائع حتى الآن، إنها إرادة الله، ولكنني لا أزال أتساءل لماذا أخذت عائلتي مني»، وجارديز هي مدينة صغيرة قديمة بالقرب من مقر قوات البحرية الملكية البريطانية التي قوامها 1000 جندي، والتي انتشرت في الأسبوع الماضي من أجل تعقب فلول القاعدة وطالبان، وفي هذه المنطقة لا توجد أي آثار تدل على أن الحرب قد انتهت في أفغانستان، ولكن لم تكن القوات الموالية لأسامة بن لادن هي التي قتلت شيرين جول، ولكن قوات «باشا خان زدران» أحد قادة الحرب المحليين، الذي تركته القوات الدولية ليكون جزءا من الحياة السياسية في فترة ما بعد طالبان، وهو الذي يقوم بقتل المدنيين في وحشية من أجل أن ينال نصيبه من السلطة.
وفي الوقت نفسه في مدينة مزار الشريف في الشمال يندلع قتال ضار بين الرجال الموالين للجنرال عبدالرشيد دوستم نائب وزير الدفاع، وبين الجنرال محمدعطا منافسه الألد، وتفجر العنف لا يعتبر المشكلة الوحيدة في أفغانستان، فقد أدت الأمطار التي تدفقت منهية ثلاثة أعوام من الجفاف إلى حدوث فيضانات مهلكة، ووقع زلزالان، كما تفشى طاعون الجراد.
ويقول يوسف حسن أحد المتحدثين باسم الأمم المتحدة واصفا الموقف: «إنهم بالفعل قد زارهم الفرسان الأربعة المذكورين في سفرالرؤيا».
وأضاف أنه يوجد أكثر من 500 ألف لاجئ، بما في ذلك العديد من الصناع المهرةوالمحترفين، الذين رجعوا إلى أفغانستان منذ بداية هذا العام، ولكن بالرغم من الجهود الدولية، فلا يزال هناك أكثر من مليون من «المشردين» في داخل أفغانستان وما يقدر بخمسة ملايين في الخارج، ويقول إنه توجد أموال في
  برنامج مساعدة اللاجئين التابع للمفوضية العليا للأمم المتحدة تكفي شهر واحد فقط، وهناك بعض اللاجئين في معسكرات كبيرة مثل ذلك الذي في مدينة «مسلاخ» بجوار «هيرات» في الغرب، أو في مدينة «سبين بولداك» في الجنوب الشرقي، ومعظمهم لا يشعر بهم أحد، وهم يقطنون في منازل مكونة من حجرتين داخل المدن، أو مشردين في منازل باردة رطبة والتي دمرتها القذائف، ويعيشون على حد الكفاف من الخبز والشاي وبعض المساعدات.
وفي جارديز يعيش عشر أسر جنبا إلى جنب في إحدى المدارس التي قصفتها الطائرات، ويعيش 15 أسرة آخرين مكونة من حوالي 100 فرد في أحد المعسكرات في إحدى الثكنات المعزولة في الجوار، والمباني بلا نوافذ ولا أسقف، فقد دمرت منازلهم من جراء قصف قوات الحلفاء ولا يوجد مكان آخر يذهبون إليه.
وقال جول أحمد 40 عاما: «نحن نتضور جوعا، خمسة منا ماتوا هنا حتى الآن، اثنان منهم من الأطفال، ولا أحد يرعانا إلا الله»، والجميع على دراية بالمشاكل الملحة في أفغانستان.
وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: «نحن بحاجة إلى جلب الأمن إلى معظم أنحاء البلاد، والمال من أجل إعادة الإعمار وعمل مبادرة سياسية التي من شأنها أن تقود إلى نوع من الاستقرار، فلا يمكن الحصول على أحدهما بدون الآخر»، وعلى الجانب الآخر، يعلم جميع أهل أفغانستان المغتربون منهم والمحليون أن هذه هي أفضل فرصة حصلت عليهاالبلاد منذ أكثر من 30 عاما، وواشنطن ولندن وكافة الدول الأخرى لديها تصور عن حجم تعقيدات الوضع في أفغانستان.
وقد أوضح المخططون العسكريون من قوات الحلفاء أن هذه الحملة العسكرية هي جزء من استراتيجية واسعة من أجل إعادة الأمن وتوفير المناخ من أجل التنمية الاقتصادية والسياسية.
وقد تحدث الرئيس بوش مؤخرا عن خطة عسكرية من طرازجديد من أجل أفغانستان، ومن المحتمل أن تتدفق الأموال على أفغانستان في النهاية؛ فقد تعهدت الدول المانحة بمساعدات قيمتها 4 ،5 مليارات دولار، وبالرغم من وصول نسبة بسيطة من هذه الأموال، فمعظم المحللين يثقون بأن هناك رغبة سياسية كافية في الغرب من أجل ضمان وصول المساعدات؛ خاصة من أجل المشروعات ذات الأهمية القصوى مثل تدريب الجيش واستئصال زراعة المخدرات، والكثير من ذلك يعتمد على جيران أفغانستان، ففي الوقت الحالي لا توجد أي قوة إقليمية تحاول زعزعة استقرار البلاد من أجل مصالحها السياسية، والتي كانت سببا لمعظم النزاعات التي تفجرت في العقود الماضية، فباكستان تبدو الآن أنها قد قبلت أن يكون لها نفوذ محدود على أفغانستان المستقرة، وأن ذلك أفضل من محاولة إدارة شئون أفغانستان بالوكالة، مما قد ينتج عنه تحولها إلى عرين للمتطرفين ومهربي المخدرات وقادة الحروب القبلية التي تهدد حدودها، وكذلك الإيرانيون يبدو أنهم راضون بنفوذهم الاقتصادي والسياسي على الغرب، بالرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بسياساتهم، كما أن العملية السياسية شبه الديموقراطية التي تجرى الآن من أجل مساعدة أفغانستان لاستعادة وضعها كدولة تبدو أنها سوف يكتب لها النجاح، فأصبح هناك رجال يجلسون تحت شجر الدردار في المروج الخضراء.
وقد تدفقت مياه الثلوج الذائبة من أعالي الجبال إلى الجداول التي طالما نضبت ضفافها، وهناك قبائل في قرى مختلفة يتجمعون من أجل التحدث في شئونهم الداخلية، والرجال في مقاطعة «شيبار» في منتصف منطقة مرتفعات باميان النائية يتناقشون الآن بشأن من الذي سوف يحكم أفغانستان في المستقبل القريب، في الشهر القادم سوف تعقد «لويا جيرجا» (الاجتماع الكبير) في كابل، وسوف تحاول الوفود التي تم انتخابهم في مثل هذه اللقاءات التي عقدت في «شيبار» الوصول إلى إجماع للآراء على من ينبغي أن يحكم في فترة الثمانية عشر شهرا القادمة، ثم بعد ذلك سوف تعقد انتخابات عامة والتي تعتبر ابتكاراً لم يسمع عنه هنا من قبل.
وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: «رغم الصورة البسيطة لتلك الاجتماعات، إلاإنها على الأقل نموذج محلي أصلي من الديموقراطية، فهذه ليست السويد على أي حال»، والملك السابق الذي عاد مؤخرا إلى أفغانستان منذ حوالي 17 يوما، سوف يترأس مجلس «لويا جيرجا» ولأول مرة سوف يخصص 60 موقعا من المواقع ال 1501 للنساء، وبالرغم من أنه لا توجد أي علامات لأي نساء في الاجتماعات التي حضرت إليها، فقد صرح متحدث باسم منظمي اللويا جيرجا أن العديد منهن طلبن أن يكن ضمن الوفود، وفي مروج مقاطعة شيبار، قال الرجال أنهم سعداء بأنه سوف يحضر المزيد من النساء.
وقال حاجي نواز علي شريف: «سوف أكون أكثر سعادة إذا ذهبت زوجتي، إنها حكيمة وماهرة للغاية، ولكن لا يزال هناك القليل من النساء المتعلمات في البلاد»، وغياب النساء المرشحات يعتبر إحدى الصعوبات التي واجهت منظمي اللويا جيرجا، بالإضافة إلى أنه على المستويات الدنيا من القرى لا توجد أي اقتراعات سرية، ف«سافيار» على سبيل المثال لديه ضعف عدد الأموال والأراضي الموجودة عند أي أحد آخر في قريته، لذا لا يشك أحد في أنه سوف يكون مبعوثهم في مجلس اللويا جيرجا القادم، ولا تزال هناك صعوبات ملحوظة في إقناع كل الجماعات العرقية والقبلية والدينية أن الجميع سوف يتم تمثيلهم بإنصاف، وأنهم ينبغي عليهم أن يساندوا قرارات اللويا جيرجا، ولكن بالرغم من كل هذا لا يزال هناك شعور بالتفاؤل، فكل رجال مقاطعة شيبار من أقلية الهزارة والذي كان مظهرهم الآسيوي وعقيدتهم الشيعية سببا للاضطهاد الوحشي الذي مارسه ضدهم الأغلبية البشتونية، ولكن بالرغم من ذلك يقولون أنهم سوف يشعرون بالسعادة إذا ما فاز البشتون، ويقول سافيار: «ببساطة لأنهم هم الأغلبية، فأهم شيء بالنسبة لنا الآن هو السلام، ولابد أن نكون جميعا إخوانا أفغانيين».
وفي إطار الاستعدادات من أجل الاحتفال بالاستقلال في الأسبوع الماضي، خرج الأفغان من كافة الأعراق والأقليات الدينية تحت الأعلام الجديدة ذات اللون الأحمر والأخضر والأسود التي ترفرف الآن في كل مكان، وكان الجميع يتحدثون عن الوطنية، وفي المساء تجمع السكان المحليون في الملاعب الخضراء خارج استادات كرة القدم في نزهة خلوية، وقاموا بحركات ارتجالية من الرقص الشعبي، وكانت شوارع غرب كابل المدمرة لا تزال تغص في الظلمة، ولكن الاستاد الذي شاهدت فيه منذ ثلاثة أعوام حالات الإعدام والبتر كانت تملؤه المصابيح ذات الألوان البديعة، وكل مساء تغلق زحمة المرور الطريق المؤدي إلى المدينة الرئيسية، وهناك صف من الأكشاك انتشر على طول الطريق من أجل خدمة السائقين، ولكن كان هناك أحدهذه الأكشاك مضاء بأحد المصابيح وكانت تجارته رائجة.. فقد كان يبيع الأشجار.

* جاسون بيرك «الأوبزرفر» البريطانية
( خدمة الجزيرة الصحفية )

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved