* القاهرة - مكتب الجزيرة - طه محمد:
في ظل تردي الأوضاع التي يشهدها العالم حالياً، واختلاط المفاهيم عند الكثيرين بأن المقاومة ضد الاحتلال إرهاب، اضافة الى تشويه الحقائق بأن ما يجري من اعتداءات اسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني هو دفاع عن النفس.
يتطلب كل ذلك ان يراجع الخطاب العربي الموجه الى الغرب أدواته، خاصة وان للعرب ادوات عدة، يمكنهم من خلالها مخاطبة الآخرين بلغاتهم لتصحيح الصورة، ويكفي ان الخطاب العربي مازال يخاطب ذاته منذ وقت طويل.
«الجزيرة» استطلعت آراء عدد من المفكرين والسياسيين حول طبيعة الخطاب الموجه الى الغرب باشكاله كافة «الإعلامي، السياسي، الديني»، حيث اكدوا ضرورةمراعاة حجم التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، وشددوا على ضرورة توجيه فضائية عربية وإسلامية الى الخارج لتقوم بإبراز الصورة الصحيحة للعرب والمسلمين، وأنهم دعاة تعايش مع الآخر، وقبول به وحوار معه، بشرط ان يقبلهم الآخر ايضاً.
تغيير أدوات الخطاب
في البداية يؤكد المفكر الدكتور أحمد كمال ابو المجد - مفوض الجامعة العربية لحوار الحضارات- على ضرورة إعادة النظر في الخطاب الموجه الى الغرب على المستوى العربي والإسلامي واحياء المنهج العلمي في التفكير والسلوك.
ويقول: علينا ان نسقط نهائياً بغير رجعة تلك المقابلة العقيمة بين العقل والنقل، والتي شغلت صفحات طويلة من تاريخنا وأعواماً من صراعنا، ظلت تشغل الأمة وقتاً طويلاً في حوار غير مفيد، ولذلك فلا بد هنا للعقل ان يستخدم، باعتباره هبة ونعمة من الله سبحانه وتعالى.
ويضيف لابد من اعادة النظر في علاقات العرب والمسلمين بالآخرين، فنحن لا نعيش ولن نعيش أبداً في جزيرة معزولة، وعلينا ان نسلم في تواضع ان الله تعالى وزع الحكمة بين عباده وبثها بين شعوب الدنيا، وان الخلق كلهم عيال الله، وان المكان الوحيد للمسلم الصحيح هو مع الناس وبين الناس وبهذا أمرنا الله ملك الناس إله الناس.
ويشير الى ضرورة إصلاح البيت من الداخل، بمعنى إصلاح شؤوننا متسلحين في ذلك بالعلم ومتفانين في العمل وحيازة للثروة واحرازاً للقوة، ذلك ان أحساب أهل الدنيا قد بنيت على المال والقوة والحديد والدنيا لا تأخذ الحكمة من العجزة ولا تستمع أبداً للضعفاء، والصحوة الحقيقية، ليست شعاراً ولا أماني، وإنما هي جهد هائل وتبعات جسام.
ويوضح د. كمال ابو المجد ان الدين كان وسوف يكون له دور متعاظم في توفير البنية الأساسية الاخلاقية، للنظام العالمي الجديد، وذلك من خلال خمسة أمور اولها لا بد ان نكف يد الماضي عن ان تظل متحكمة في العقل والوجدان، حائلة بين الجيل الحاضر وبين التوجه للمستقبل بحرية وانطلاق، وألا يزايد احد بأننا نعرف حق المعرفة ان الكتاب والسنة ليس من أمور الماضي، وإنما امران قائمان الى يوم القيامة.
ويقول: إننا نتحدث عن مزاج نفسي وتوجه عقلي ينكفئ على الماضي هروباً وعجزاً عن مواجهة الحاضر او تخوفا مما لا ينبغي التخوف منه او تأثماً محالاً ينبغي التأثم منه، لان المتأثمين الغارقين في الإحساس بالخطأ والخطيئة لا يتبقى في نفوسهم بقية ليبنوا حضارة إنسانية.
كراهية الشعوب لأمريكا
ومن جانبه يؤكد الدكتور محمد سليم العوا - رئيس جمعية الثقافة والحوار في مصر- انه كان من الضروري على وسائل الإعلام الغربية ان تصل الى حالة مؤكدة عن الفاعل الحقيقي بشكل يقيني ان مرتكبي أحداث 11 سبتمبر هم من العرب والمسلمين، وبالرغم من عدم وصول التحقيقات الأمريكية الى ذلك يقيناً، واسراع اجهزة الإعلام الغربية بتوجيه التهم الى الآخر هو أمر سيؤدي ولا شك الى رجوع الحوار بين الإسلام والغرب - على سبيل المثال- الى سنوات طويلة للغاية.
ويقول: انني مندهش لما حدث، وكان ينبغي ان يتوقع الامريكان مثل هذا الحدث، فهناك كراهية شديدة للامريكان في العالم العربي والإسلامي، وخاصة بعد الآلة العسكرية الامريكية ومن صاروا وراءها ووجهت الى تدمير الشعب الأفغاني، وهو ما أدى الى تعاطف العالم الإسلامي مع فقراء هذا الشعب، ولذلك جاء الهدف الأمريكي نتيجة عكسية فظهرت حرب استعمارية جديدة استهدفت تدمير قدراتنا بمختلف العالم العربي وشرائحه.
وحول ما إذا كان يمكن ان يدفع هذا الصدام بين الجانبين الى صراع بين الغرب والإسلام، يؤكد انه من الضروري تجنب الصدام لانه سيؤدي الى الدمار، فليس هناك من يضمن ان الولايات المتحدة وأوربا لن تتعرضا الى العراق او ايران او غيرهما بدعوى القضاء على مراكز الارهاب.
ويشدد على ضرورة تجنيب الصدام بين الحضارات والدعوة الى فهم كل طرف للآخر، ويقول: ان المشكلة اننا نعترف بالآخر، فيما الآخر نفسه لا يعترف بنا، واذا اعترف كان اعترافه ضمنياً أو على استحياء، ولذلك فالمطلوب من الدول الغربية ان تنظر بنظرة مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في السابق للدول العربية والإسلامية.
ويضيف أشعر بالخطر من التغير الحاصل في طبيعة العلاقة بين الحضارتين العربية والإسلامية، والذي يمكن ان يؤدي الى صدام قد يؤدي الى تدمير الجميع، وهناك دور يقع على السياسيين في ان يجنبوا الحضارتين ذلك الصدام، لان المفكرين -ونحن منهم- ابدوا رأيهم آلاف المرات في المنتديات والإعلام في ضرورة تجنب هذا الصراع، ولكن هذا يذهب ادراج الرياح، لان شهوة الانتقام قد طغت، وهو انتقام مدمر.
ويطالب د. العوا بضرورة تجنب الصراع من الطرفين، وان يتم التغاضي عما حدث، حتى لا يتسع الأمر، ويظهر صداماً بين الحضارتين وهو ما سيكون كارثة إنسانية، نتمنى ألا تقع على حد وصفه.
وحول رأيه في الدعاوى التي ظهرت في الغرب من ان الحرب ضد الارهاب لا تستهدف الإسلام كدين، يؤكد د. العوا انه يعجبنا هذا الكلام وكاد المثل القائل «أسمع كلامك يعجبني أشوف أمورك استعجب»، وعليه فإن الواقع يختلف، حيث ان محاربة الارهاب تكون بمحاربة العزل من الناس، فنحن مع محاربة الارهاب وليس قتل الأبرياء، ولا اقول ان هذه حرب ضد الإسلام، ولكن هناك -كما يقول- خطأ فظيع يرتكب في حق الأمة الإسلامية، ستكون نتائجه مدمرة على العلاقة الإسلامية - المسيحية.
ويضيف ان هناك مسؤولية كبرى تقع على العالم الإسلامي في ان يبصِّر ابناءه في ما ينبغي ان يُقبل وما ينبغي ان يتم رفضه، ولا نقبل ان تتحرف النصوص عن مرادها، ورفض الدعاوى الزائفة، في الوقت الذي نرفض فيه ايضا ان تتعرض الحضارات للضرب بالقنابل والصواريخ، والمطلوب ايضاً من المجتمعات الإسلامية ان تنشئ جيلاً قادراً على التعامل مع الحضارة الغربية دون حساسية ودون خوف، وينبغي ان نتعامل من مستوى المساواة، بعيداً عن «العنجهية» التي تمارسها الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي لا يمكن لها ان تعيش طويلاً، وسيكون مصيرها هو مصير الاستعمار الذي حمل عصاه ورحل.
مراجعة التاريخ
أما الدكتور صوفي ابو طالب -عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر- فيؤكد ضرورة ان يتخلى الغرب عن رؤيته في ان العالم العربي والإسلامي تابع له، وعليه ألا يتعامل معه من هذا المنطلق، خاصة وان الدين الإسلامي هو أكثر الأديان التي تدعو الى إعمال العقل مع النص، لذلك فإن الفكر الإسلامي يدعو الى الانفتاح على العالم الخارجي، وهذه ميزة تميزه، عكس الحضارات الأخرى، التي ترفض الآخر وهو ما يبدو جلياً في ظل الأوضاع التي يشهدها العالم حالياً.
ويقول: إن الفكر الإسلامي إزاء هذه التطورات مطالب بأخذ ما يناسبه من الآخر، وترك ما لا يناسبه، وان يسعى الداعية المسلم الى تطوير أدواته التي يستخدمها في دعوته، وخاصة اذا ارتبطت في خارج الدول العربية والإسلامية، فعليه ان يخاطب الآخر بلغته، وان يجعل للعقل نصيباً من دعوته.
وطالب د. أبو طالب مراجعة كتب التاريخ التي تركز الحديث عن تقسيم الكون الى دار حرب ودار إسلام. ويقول: ان ذلك كان في اوقات تختلف عن أوقاتنا هذه، وهو ما يتطلب تصحيح المغالطات التي يحملها البعض في أفكارهم، خاصة وان الآراء يمكن ان تتنوع ولكنها في الأصل واحدة ويجب ان تدور في إطار من خدمة الشريعة الإسلامية ومقاصدها السامية.
ويتعرض د. صوفي ابوطالب الى نفس المشكلة التي سبق ان تعرض لها الدكتور محمد سليم العوا في ان العالم الإسلامي يقبل الآخر، ويرحب بالحوار معه، فيما يرفض الآخر ذلك، ويتحفظ عليه، وهو ما يؤكد سعة الحضارة الإسلامية ورحابتها في الحوار مع الآخرين، وعدم الخوف او الارتعاش من اجراء حوار مباشر مع الآخر، خاصة وان الإسلام يدعو الى الحوار، والدعوة اليه بالحكمة وهو ما يفسر ايضاً استخدام العقل، الى جانب ما يحفظ للفكر الإسلامي تحقيق التوازن بين الأصالة والمعا صرة.
أولويات الخطاب العربي
وحسب رأي الدكتور مصطفى الفقي - رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري- في آليات تطوير الخطاب العربي والإسلامي الموجه الى الغرب، فيؤكد ان الخطاب الديني ليس منبت الصلة عمن سواه، فهو نابع من أكبر مؤسسة دينية وهي الازهر، رمز الاستنارة والعقل.
ويرفض ان نقبل دائماً وجود عداء بين الإسلام والغرب، لوجود أصوات عاقلة، في الجانبين تدعو الى الحوار المشترك بين الطرفين، وبالتالي فان الصورة ليست قاتمة بالشكل الذي يصوِّره البعض، بالرغم من احترامنا لتحليلات الآخرين.
وشدد على ضرورة التركيز على توظيف سمعة الأزهر الشريف باعتباره أكبر مؤسسة دينية في العالم ليقوم بدور فاعل في الحوار المشترك بين الجانبين، وإعداده للداعية الموجه الى دول الغرب ليكون متسلحاً بالثقافات الأخرى، ومطلعاً عليها، ولذلك يأتي دور تعليمه اللغات الأجنبية التي ينبغي ان تحتاج منه الى كل رعاية وعناية.
ودعا د. الفقي الى ضرورة فهم أولويات الخطاب العربي والإسلامي الموجه الى الخارج، وابراز الوجه الصحيح للعرب والمسلمين وان وجوههم ليست عبوسا بالشكل الذي تصوِّره بعض الدعايات الغربية، واعتبار الرفض والتشنج مظاهر دخيلة على مجتمعنا، على ان يتوافق الكلام مع مقتضى الحال، وعدم الاتجاه الى الفرعيات والتركيز على الأولويات التي ينبغي ان يشملها الحوار ويرعاها، خاصة وان الحوار سمة إسلامية فضلاً عن ان التفكير في حد ذاته فريضة إسلامية.
ويشير الى ان الحوار مع الآخر ليس حواراً عقائدياً بالمعنى المعروف، او كما يحلو للبعض ان يجعله كذلك. ويقول: هو حوار يستهدف توفير ارضية مشتركة بين الطرفين، ولا يمكن ان يمس جوهر العقيدة، كما انه يضع الأديان في موقعها الصحيح، ويعطيها القداسة الواجبة لها، ويكون الحوار في القضايا المشتركة بين الجانبين.
ورفض د. الفقي ان يكون هناك فكر صليبي في مواجهة الإسلام. مؤكداً ان ذلك نابع من عصور سابقة، ولم يعد له أساس حالياً، ولذلك ينبغي التحدث -كما يقول- بأساليب التهدئة والسماحة، بعيداً عن الرعونة والتهديد والمواجهة.
|