«1»
** ابتدأت الحكايةُ بالبحث عن «المسافة» فهي كما تصل تفصل، ومثلما تعِد تئد..!
** قد تكون المسافة «كلمة» تعبر الفم إلى الأذن، أو «إنجازاً» يتجاوز اليد إلى العين، أو «انتماءً» يسكنه السعي والوعي، لنصل إلى «مخرجات» نقرأ في نهايتها «فرداً» يمثل الجمع، وجمعاً يعتزُّ بالمفرد..
** وتجيء الأسئلة:
لماذا نقولُ الحقيقة..؟ ولمن؟ وكيف؟ ومتى؟
** وندرك أكثر ما ندرك أن «الاستفهام» ثقافة عربية غائبة.. أو مغيَّبة..!
«2»
** لم نستطع تحديد المسافة فهي «دانية» نائية»، وإذْ لم نخترها أو تخترنا فإننا لم نستطل «الظل» ولم نحترقْ بالوهج؟..
** وجرينا في سباق ماراثوني فالزمن غير متاح، والقصور غير مباح، والموعد وعد، والغد لا ريب قريب..!
** وتعود إلى «الذاكرة» لغةُ المستقبل كما حددها أستاذ الإدارة البريطاني «هاندي»، فنحن في عصر عدم المنطق Age
of unreason ونستعيد رؤية
مواطنه «برناردشو» وقد سبقه بقرن حين رأى ذلك في إصرارنا على جعل العالمِ يتكيف معنا، ولأننا منطقيون كما نزعم فقد تكيفنا مع ظروف التكليف، وتوقيت التكريم.. وابتدأ المشوار..
«3»
** لم تجئ الرحلة ممهدة بل مجهدة، وبرغم ذلك فقد كانت ماتعة بل رائعة..
** تلاشت «المسافة»، واتحد «التوجه»، وكان لابد من جمع ماتفرق، ولصق ما تمزق، فلم يكن صاحبنا من ذوي الأراشيف الورقية، وإن عوضها بحافظة استثنائية أفضتْ وأفاضتْ، وذكّرت كما تذكرت..!.
** ولم يكن واحدُنا متفرغاً فتعددت جلسات «المساء»، ومهاتفات «الصباح»، وتتالت المعلوات، والشهادات، والوثائق، والمحذوفات، والإضافات، وتوقف «اثنانا» عند كلِّ «جزئية» امتدت بها مسيرة «السبعين» ولم تُغنِ عن مثلها «سبعون» ميخائيل..!.
«4»
** لهم أن يروا «بيتر دركر» صاحب نظرية الإدارة بالأهداف كما يشاءون، فقد عمل حتى ملّ منه العمل، فظلّ وقد أشرف على التسعين «أستاذاً» و«استشارياً» و«مؤلفاً»، وثُمنت ساعة عمله لا يومه أو شهره بعشرين ألف ريال، ولنا أن نرى صاحبنا ونحن نقرأ فيه نظرية جديدة عنوانها «الإدارة بالإرادة»، فما زال فاعلاً في شؤون الإدارة والتنمية والثقافة والمجتمع دون أن يُكلِّف كثيراً فقد مارس «التطوع» يافعاً، وتفرغ له شيخاً..!.
** وما أجمل «العشق» حين يجمعُ «حبيبين» داخل «منزل» أو وسط حقلٍ ومعمل..!.
«5»
** في الحديث عن المدير المتكامل Whole Manger رأى «دينس سلفن» أن معدلات هذا التكامل هي «الهيبة» و«الحب» و«الاحترام»: ولعلها ذاتَها «رأيُ» أبي الطيب و«شجاعتُه» بمعادلةٍ مختلفة هي «السلطة» و«الشخصية»:
* فإذا «هما اجتمعا» لنفس حرةٍ
بلغتْ من العليا أعز مكان
** وقد جمعَهما صاحبُنا ليضمّ تأثير «السلطة» مع كاريزما «الشخصية»، وليحملَ الكتاب ملامحَ لما يصنعه التميز بإداريٍّ أضافَ اللين إلى القوة، وجمع العزم مع الحزم، ولم ير بأساً في أن يجلس مع «العمال» في استراحة شاي، ويغادرهم إلى حيث يجتمع مع صُنّاعِ القرار، فأحبّه لذلك أولاءِ وأولئك..!.
«6»
** وعى «الصغائر» وهي تُكرِّس المخاطر، وأيقن مع بنيامين فرانكلين أن فقدان المسمار أضاع حدوة الحصان، وفقدان الحدوة أضاع الحصان، وفقدان الحصان أضاع الفارس، وإذن فمسمارٌ صغير ألغى الفارس الكبير، فلم لا تجيء البداية من القاعدة لتكون الأساسات صلبة، ويجيء البناءُ متيناً.. وكانت لصاحبنا مواقفه المحتفيةُ بالأقلّ ضماناً لتحقيق الأجمل والأفضل..
** وربما جاز هنا الإلماحُ إلى مبالغة البعض في الحفاوة «باستراتيجيات» «الأوراق»، وإهمال واقعِ «الإيراق» و«الترياق»، وأمامنا تجربة غير بعيدة لإحدى الشركات الأمريكية التي قدمت إدارتُها العليا تصريحاً استراتيجياً في تسع عشرة نقطة ابتدأت بالوعود، وانتهت بالركود، وسارت الشركة في طريق مسدود.. ولا بأس إن لم نعرض تجارب عربية فقد اتسع «الخرق» وملّ أو ربما يئس «الراقع».
** أما صاحبُنا فقد احتفى بالأرض وكفاه ذلك عن معانقة الفرضْ في تهويمات إدارة الأحلام أو أحلام الإدارة..
«7»
** اختار «القمة» ليغادرُها إلى «القمة»، واختلف مع أصحابنا «الثقافيين» من أمثال «تشارلي شابلن 1889 1977م» الذي أدرك انصراف الجماهير عنه فأغلق باب بيته، وفتحه صاحبنا لينشغل أكثر ولينجز أكثر وليحظى بالتقدير أكثر وأكثر..
** لم يدفعه التقاعد إلى القعود، ولم ييأس كما «أبي العلاء 363 449» فيعتزل، أو «حمزة شحاتة 1328 1391» فيقرر أن لا شيء يستحق الرسم في دنيا الوهم، أو «جمال حمدان» الذي رأى المشاركة مساومة، وكان لهم مثلما كان لأبي حيان التوحيدي، وأبي عمرو بن العلاء، وداود الطائي، والداراني، وسفيان الثوري فمنهم من أحرق كتبه أو طمرها في التراب أو نثرها في الفضاء أو رماها في البحر أو أعلن البراءة منها.. في سلوك تراكمي ذهني «اجتماعي» نفسي له ما يبرره عندهم، وعند نماذج مماثلة من البيروقراطيين الذين تهزمهم المصالح، أو يُعريهم الفشل فيُعزلون أو ينعزلون، ولصاحبنا ما يبرّر استمراره واستقراره فقد عاش للأرض ومع الأرض وللناس ومع الناس وأدرك أن النخلة تبسق، والورد يشرق، والأشجار تعلو وتسمق..
«8»
** قبل سنوات فاز أستاذ الإدارة بجامعة أنديانا «البروفسور ريتشارد فارمر توفي عام 1988م» بجائزة أفضل مقال كان عنوانه هل سبق أن عملت مديرا؟ وقرّر إجابة عن سؤاله أن ما يكتبه علماء الإدارة لا يتجاوز تصورات أو افتراضات لا تتصل بعالم المهنة، ودعا إلى إعداد الناشئة لمعرفة كيفية الإدارة «في مستوياتها الثلاثة: الإشرافية والمتوسطة والعليا» عبر قراءة وكتابة الواقع بدلا من التيه داخل دوائر الدراسات الكمية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية..!.
** ولم يكن صاحبنا بعيداً عن هذا الاستشراف، فقد كان مقدراً له أن يكون «إدارياً» بالفطرة، كما كان قدره أن ينجح «إعلامياً» بالموهبة، و «تربوياً» بالممارسة، و «مثقفاً» بالمتابعة، و «مؤرخاً» مع وقف التنفيذ، وقبلها كما بعدها فقدتألق «إنساناً» حببه الله في الخير وحبب الخير إليه..
«9»
** لن تلخِّص صاحبنا جملة أو عاطفة، ولن تختصره صفحة أو سالفة، ويظل الكتاب نقطة ارتكاز أولى لدراسة الإدارة رجلاً قدّم وتقدم مؤمناً بالقيّم الاصطلاحية الخمس:
* الاستقامة والأمانة، المسؤولية، الإتقان، المواظبة، الانضباط.
** وليظل الكتاب كذلك نقطة انطلاق لفهم المدير قائداً بعمل الفريق، وبأهمية العلاقات داخله، والعلاقات من أجله خارجه، والإيمان بالآخر يستشار ويستثار، وبالقرارات تصدر في هدي الحقائق لا نحو المزالق، وبذاته مع ذاته ومع غيره عبر قطرٍ دائري يطالب بأن «نخطط» و«نعمل» و«نراقب» و«نقرِّر» كما في الدورة الإدارية الذائعة «plan, do, Check,
Act» التي صنّفها «د. إدوارد
ديمنج».. وكما ستقرء1ون صاحبنا في «الكتاب» غير محتاجٍ إلى إفاضة وشرح، أو إلى جمعٍ وطرح فأمامكم ومعكم وبكم يتمثل رمزُ «نظرّية الإدارة بالإرادة» عبدالله العلي النعيم.
«10»
** وبعد فقد كانت هذه هي المسافة من «عنيزة» إلى «عنيزة» حافلة بالركض، مشرقة بالومض، مطمئنةٌ إلى تجانس خطوط الطول مع دوائر العرض..
** ولقد سعد صاحبكم خلال هذه المسافة مرة بل مرات، شرفه المركزُ بإعداد الكتاب، وشرفه أبو علي بالشفافية والاقتراب، وشرفتموه إذ يقف أمامكم مفتتحاً هذا السّفر ومختتماً ذلك السّفر مُعرّفاً بدءاً ثم معترفاً منتهى:
* ربما غره القمر..
* ربما تاه في السفر..
** فإذا أشرق المسا
ورنا الخصبُ للمطر
أورق السعي بالسنا
لوحةً في ذرى السَّهر
** وبعد البعد:
* رأى «الحبّ» فوق عيونِ الكلام..
وحلوِ المنام
فأرقّه أنه لم يصلْ
وأوثقه أنه لن يملّ..
وأيقن أن الهوى لا يضلّ..
أراد العُلى فأدار الأجلّ
وسار على الدربِ حتى اكتملْ.
* الحمد لله نهاية لا تزال تبدأ وبدء لا ينتهي
إبراهيم التركي
(1) عبدالله العلي النعيم: الإدارة بالإرادة.
تأليف: إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
إصدار: مركز صالح بن صالح الثقافي.
414 صفحة.
ردمك: 1221419960
* قُدِّمت الورقة في حفل تكريم الأستاذ عبدالله النعيم بعنيزة وافتتاح الكتاب.
|