مقدمة:
شهد العقدان الماضيان تحولات في كل شيء، في الصناعة والزراعة، والمهن الأخرى، وكان للبناء الثقافي نصيب من هذا وذاك، فظهر الإبداع الفني في الكثير من مجالات الأدب، ولم يكن مؤدلجاً كما كان عليه في بداية النهضة الأدبية في البلاد، ولا مقلداً كما هي الحال في نشوء كل أدب لم يتخذ شخصيته بعد. واستفاد النقد من إرهاصات النقد القديم في بداية ظهور الصحافة والتعليم، كما عالجه السباعي وجيله من النقاد الاجتماعيين في الزمن المبكر من عمر المؤسسة الثقافية، ولا ننسى دور النوادي والصالونات الأدبية في منازل عشاق الأدب والفكر، وكذلك الجامعات وما تحويه من النشاطات الثقافية. كما حدث الاحتفاء بالمؤلف الجديد في أي فرع من فروع المعرفة، وظهور الرأي والرأي الآخر في المحافل الثقافية، مع أننا لم نتفاءل كثيراً، لكننا نستطيع القول بأننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق، يشجعنا على ذلك الدعم المتواصل من الجهات الرسمية، وقد تفهّم الكثير منها دور الأدب والنقد بصفة خاصة. وكان المبدع يعد العدة للناقد في العقود الماضية، بينما صار يقدم عمله اليوم الى الناقد، يطلب منه ان يتناوله بالدراسة والتحليل، فدور النقد اليوم يختلف عن دوره في السابق، فقد عرف كل منهما ان النقد في أساسه تقييم وبناء للنص المدروس، لأنه ظهر بعد النص الإبداعي وقام على وجوده كنص يحمل في داخله روح الكاتب ومدى ما تحمله هذه الروح من تجارب إبداعية صادقة، وبالتالي تتم القراءة الأولية للنص كقراءة قيمية تختلف عن بقية القراءات المعتادة، فالقراءة النقدية قراءة ذات طابع معين يميزها عن القراءة العادية التي يبحث صاحبها عن المتعة والمعرفة،وصارت قراءة النص الأدبي قراءة معروفة للمتخصص في النقد، وليست القراءة التي تعودها من ينقد النص من الوجهة اللغوية او المتعة الفردية المزاجية، وما يزال منها شيء الى هذه الأيام، لكن المتلقي أصبح يحيط بالقراءة النقدية عن غيرها في ظل الظروف الثقافية، وظهر في هذين العقدين عدد من الدراسات النقدية القابلة للنقد، واستطاع الناقد الأدبي، والناقد الثقافي ان يحمل رأيه الى المتلقي، سواء اتفق معه او اختلف، فإن للناقد الجاد مشروعه النقدي، وكلما ثبت عليه زاد احتراما من قبل المتلقي، ودخل سوق النقد الكثير من النظريات العالمية النقدية بطريقتين: الأولى، عن طريق الترجمة، والثانية بالتضمين الفكري. وكان النقد المتأثر بالنظرية الغربية مثار جدل عند الكثير من المتلقين، قراء ونقاد. فقد أغرق الكثير من هؤلاء في النقد التطبيقي لتلك النظريات بما لا يتفق والجنس الأدبي العربي، لكنها على أي حال حالة طبيعية يمر بها كل أدب نقدي في بدايته الحديثة. وكان لظهور مؤلف الدكتور عبدالله الغذامي كبير الأثر، فقد كان نقطة تحول في النقد الحديث في المملكة العربية السعودية، وكان المهم في ذلك وجود الوعي الجديد في الدراسات النثرية وتطور المفهوم النقدي من مضاد للإبداع الى الإبداع في ذاته، ولم تأت هذه النظرة الخاصة في النقد من فراغ، لكنها نتيجة للدراسات العالمية التي وفدت من الغرب، فقد تعلم البعض أصول النقد الحديث من الدراسة الغربية وطعّمها بالأصل العربي. ولم يعد النقد تطبيقاً على المطولات من النصوص وتصيد الأخطاء في النص الجديد، بل ظهر النقد الإجمالي للنص المدروس، وظهرت دراسات جديدة مجالها دراسة النص وتوثيقه تاريخياً، بالاستفادة من العلوم الأخرى، كالتاريخ وعلم النفس. وشملت هذه الحقبة أطروحات في الفكر النقدي لم تكن معروفة في الوسط الثقافي، محورها النقاش الجاد للقضية الأدبية المطروحة. وسنتطرق في هذه الدراسة للآراء النقدية التي دارت في الساحة الأدبية خلال هذين العقدين، والتحولات الفكرية التي حددها الدارسون والنقاد.
د. سلطان القحطاني |