قرأت في صحيفة الشرق الأوسط يوم الأحد الماضي 28/4/2002م نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» تصريحاً ادعت أنه لمصدر مسؤول في السعودية تفوح منه رائحة التطرف.. كان هذا التصريح يوم لقاء الأمير عبدالله «ولي العهد» والرئيس جورج بوش، وفي ذلك اللقاء عرض الأمير «حفظه الله» وثيقة سلام تُفَغّل المبادرة التي طرحها في مؤتمر بيروت الأخير، وقد رحبت الحكومة الأمريكية من جانبها بهذه الوثيقة على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض (آري فلايشر) قائلاً: إن إدارة الرئيس بوش رحبت بالمقترحات السعودية واعتبرتها بنّاءة، وأضاف أن هناك مناقشات شاملة تجري بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين بشأن التعامل مع المقترحات التي جاءت في الوثيقة والتي هي امتداد لمشروع السلام السعودي الذي يأمل في الجانب الأمريكي أن يلتزم بالحل العادل لقضية الشرق الأوسط «فلسطين» من خلال التالي:
1 انسحاب إسرائيلي من أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني.
2 رفع الحصار عن رام الله.
3 إنشاء قوة متعددة الجنسيات.
4 إعادة إعمار المناطق الفلسطينية المتضررة.
5 نبذ العنف.
6 تركيز المحادثات حول المسائل الأمنية «خطة تينيت» والسياسة «خطة ميتشل».
7 وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية.
8 دور محرك للأمم المتحدة في تطبيق قرار مجلس الأمن «242» الصادر في 22 نوفمبر «تشرين الثاني» عام 1967م الذي يطلب من إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة.
وصرح ولي العهد «حفظه الله» بأن الولايات المتحدة أصبح أمامها خياران: أحدهما: يمكنها من خلاله ممارسة الضغط اللازم لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وحصار الرئيس ياسر عرفات في رام الله.
والآخر: يسمح لإسرائيل بإلحاق الضرر بالعلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل دعم السياسة المتشددة التي تتبعها حكومة شارون المصرة على انهيار شامل للأمن والاستقرار في المنطقة.
فهل من الحكمة بعد ذلك أن يقال هذا الكلام وينشر في صحيفة منتشرة تخاطب الرأي العالمي العام والأمريكي الخاص؟
وهل النتيجة التي نحصل عليها تخدم قضيتنا ما دام العرب عاجزين عن المواجهة والحرب والخيار العسكري؟
ثم من المستفيد من الوضع المؤلم لهذا الشعب الذي يواجه حرباً غير شريفة، عطلت التنمية والتعليم، والمؤسسات ومقومات الحياة العامة.. وأصبحت رائحة الجثث العربية تملأ الطرقات على أيدي عصابات الصهاينة الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا يحكمهم شرف. واختلط مصطلح القومية العربية بمصطلح الأمة الإسلامية دون انفراج يبعث الأمل في نفوس المحبطين.
نحن نعلم جيداً أن الخطاب الموجه للشعب أجدى من الخطاب الموجه للساسة، ولذلك نجح الأمير عبدالله حينما وجه خطابه في بيروت إلى الشارع الإسرائيلي إيماناً منه بأن حكومة شارون تقود هذا الجنس إلى كارثة على يد الشعوب العربية التي تحيط به من كل جانب عاجلاً أم آجلاً، فالعرب لا ينسون الثأر والدم فيما بينهم فكيف بطارئ عليهم لا يمد يده إلى السلام الذي دعوا إليه مؤخراً..
إن الخبير بشؤون السياسة الأمريكية يدرك أن القرار ينبثق في المنظومة السياسية جماعياً، وبالتالي لا يستطيع الرئيس أن يستقل برأيه بعيداً عن حزبه والمؤسسات التشريعية مثل مجلسي النواب والشيوخ والمؤسسات الإعلامية التي تمثل رأي الشعب، وبالتالي كان التصريح السابق لا يليق بدعاة السلام وبخطاب عالمي لا يكون على يمين أحدٍ كائناً من كان!!
والأجمل من ذلك تصريح مسؤول صادر من قبل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية نشر في لقاء في تلك الصحيفة وفي ذلك اليوم، إذ أجاب على سؤال: وماذا عن التصريح الذي نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» الذي جاء فيه أنكم تهددون بأن تكونوا أكثر تطرفاً من ابن لادن والقذافي، وستذهبون إلى بغداد؟
فأجاب «حفظه الله قائلاً»: هذا ليس صحيحاً، في منطقة الشرق الأوسط ما يكفيها من مشاكل ولا نريد أن نزيدها مشاكل أو تعقيداً، فنحن لا ندخل مفاوضات بروحٍ تهديدية. كلنا على قناعة بأهمية الوصول إلى سلام فلماذا نخرّب ما اتفقنا عليه مبدئياً؟ وبالنسبة لعلاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي كبيرة وفيها مصالح مشتركة، وهمنا الرئيسي أن نحول هذه القناعة إلى حقيقة، أي إلى سلام فعلي».
والأدهى من ذلك التصريح ما نشر أيضاً في تلك الصحيفة وفي ذلك اليوم على لسان رجل يدعى (عبدالله يوسف) الذي أكد أن ابن لادن أمره بقتل الملك الأفغاني السابق عن طريق إجراء مقابلة صحفية معه، ثم يقدم له في نهايتها الجاني خنجراً أفغانياً ويطعنه به..
إن المملكة العربية السعودية لن تكون على يمين ذلك الفكر الذي أحرجنا وأحرج نفسه مع العالم، وفُرض علينا بسببه وصاية عالمية لاندري متى تنتهي؟
ندفع الآن ثمن ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر اقتصادياً وسياسياً ونواجه حرباً إعلامية لم تسلم منها ثوابتنا التي نعتز بها حتى الموت، وللأسف لم تستفد الأمة شيئاً واحداً من تدمير مركز التجارة العالمي، بل دفعت في مقابل سقوطه سقوطاً تمثل في حكومات ومحاكمات، وأعطاهم هذا التدمير شرعية عالمية وتأييداً أُمَمِيَّاً في محاربة الإرهاب، ذلك المصطلح المائع الذي لم يعرفه أحد، وتحته ما تحته من الظلم والعدوان وانتهاك حقوق الإنسان.. إنهم خدموا الماسونية والصهيونية من حيث لا يشعرون.
في كل مرة تحصل كارثة في هذا العالم نمسك برؤوسنا ونضع أيدينا على قلوبنا خشية أن يكون وراءها من هو محسوب على الإسلام، لأن الذي يدفع فواتير ذلك التصرف هم العقلاء وحدهم..
اصطدمت طائرة ببرج تجاري إيطالي، ولم نشعر بالراحة حتى أعلن أنه رجل أعمال إيطالي قد انتحر احتجاجاً على إفلاسه.. وأطلق طالب ألماني النار على زملائه فقتل سبعة عشر طالباً ولم نشعر بالراحة حتى اكتشفنا أنه ألماني ولا يمت لنا بصلة فلماذا حولوا الإسلام إلى هذه الجهة وهذا المنحى؟ وصادروا مشروعه العظيم ليضعوه في نظر الأمم الأخرى في قوالب التطرف والإرهاب على نمط العصابات والقراصنة.. ولماذا لم يحاولوا بولادة أمة حضارية تحترم الرأي والرأي الآخر وحقوق الإنسان، مفتوحة على العالم، لا تؤمن بالحواجز والسرية في المخططات والتخطيط.. وتحاول أن تهدي البشرية إلى النور وتخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد تماماً كما فعل أسلافنا العظماء في أنحاء مختلفة من هذا العالم عندما عاملوا الناس بالحسنى فدخلوا نتيجة ذلك في دين الله أفواجا.
ما لهم يتصدرون ليمثلوا الإسلام العظيم على طريقتهم المتشكلة في أيديولوجيا وهمية لم يسلم منها المسلمون أنفسهم، فأخرجوا ثلاثة أرباع أمة محمد صلى الله عليه وسلم من دينها وحكموا عليها بالنار، لقد اختصر علينا هذا الدين العظيم كل محاولات الاختلاف التي تمت بين النصارى وكنيستهم في القرن السادس عشر وما بعده، لينتصروا على أيديولوجيا تحكم على العلماء بالموت والحريق، لأنهم يعارضون تعاليم الكنيسة.. نعم لا نحتاج في إسلامنا إلى أن نثور على نظمه وتعاليمه، لأنها تحترم العقل وتدعو إلى التقدم وبخاصة إذا عرفنا أن الحيتان تستغفر في البحر لطالب العلم وأن الملائكة تضع أجنحتها احتراماً له.. فقط نحتاج إلى إسقاط صحيح للأدلة والاستفادة من قراءة التاريخ الماضي لنبني مستقبلاً مشرقاً يتفاعل مع هذا العالم ومؤسساته بالطرق الشرعية، ونبتعد عن نظريات المؤامرة عند الآخر تجاهنا، لأنها تحتم علينا الاشتغال بالصراع والمواجهة مع جهات الأرض عن البناء والدعوة والحضارة.. لقد آن الآوان أن نعرف قدراتنا، وما يجب علينا أن نفعله لنعود من جديد إلى الاستخلاف، ونُفَعِّل كل أسباب النصر التي تشفع لنا في الانتصار ونترك الاختلاف والبعد عن الإسلام والتعاليم الربانية، لأن المسلمين هزموا وبينهم محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكادوا أن يهزموا يوم حنين، بعدما تخلوا عن الأوامر ودخلهم العُجب واحتقار الشعوب الأخرى، لقد آن الأوان أن نشارك في صياغة القرار العالمي مشاركة فعالة تعتمد على الحوار واحترام الذات واحترام الآخر في ظل ضوابط الشرع القويم، نقدم التعاون والتفاهم ونبلغ رسالتنا التي أخذت بمبادئ الخير والفضيلة انطلاقاً من دين الإسلام دين الفطرة والسماحة قال تعالى {وّمّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌَلًعّالّمٌينّ } ..
أيها السادة الحرب فعل طارئ واستثناء مقيد في الإسلام، لا يلجأ إليها المسلمون إلا بعد أن يؤذن لهم بها، ومن أجل ذلك رسَّخ مفهوم السلام يجعل تحيته (السلام عليكم) وقال صلى الله عليه وسلم: «سلّم على من عرفت ومن لم تعرف» وقوله: «أفشوا السلام بينكم».. حباً في نشر الطمأنينة ومؤكداً قوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا \دًخٍلٍوا فٌي پسٌَلًمٌ كّافَّةْ }
وسار على نهجه صلى الله عليه وسلم خلفاؤه الراشدون والأئمة والعلماء، فهذا أبو بكر الصديق يؤكد ذلك في وصيته للجيش :«لاتخونوا ولا تَغُّلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرون على قومٍ قد فرغوا (أوحبسوا) أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً فاذكروا اسم الله عليه».
وحدد الطريقة التي ندعو بها أهل الكتاب فقال تعالى: {وّلا تٍجّادٌلٍوا أّهًلّ پًكٌتّابٌ إلاَّ بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}
{وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} فليت النصارى واليهود يعلمون ذلك بالتفصيل، ويعلمون أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة مهاجراً أعطى اليهود وثيقة تضمن حقوقهم وتحفظ أمنهم، وتساعدهم على التعايش سلمياً مع المسلمين.
*پنَّارٌ ذّاتٌ پًوّقٍودٌ}
|