هل أنا ضد برامج «الهواء المباشر»؟
نعم فأنا ضد هذا المدّ المستشري بلا ضبط، ذلك إن تسجيل المكالمات وبثها فيما بعد بعد تنقيتها وغربلتها ومنتجتها بحيث تحذف الكلمات الخادشة للحياء.. وبحيث يحذف المترهل من الكلام أجدى، لنحصل في النهاية على زبدة الحوار الذي يفيد وينفع بدلاً من هذا الدش الكلامي الفائض خاصة ما يقدم في بعض البرامج الحوارية من برامج عبر بعض المذيعين، الذي يصلح أحدهم كرئيس لرابطة مشجعين في كرة القدم، لا كسدنة لباب الحوار.
أما على صعيد الترفيه والتطريب والغناء فقد قلت إنهم أي القنوات قد فتحوا النوافذ وأزاحوا الأسقف فدخل الناموس والذباب حتى صرنا نسمع الزن والطنين ونستشعر شيئا من التقريص والتقبيص والتخبيص، حتى إذا اصابنا الدوار ولم نعد ندرك ما حولنا قيل لنا إن هذا الزنّ فنّ، وأن ما نحسبه تقريصا ليس إلا قمة الترقيص، وأن ما نظنه تخبيصا ليس إلا إتاحة الفرصة للمواهب، لقد تورطت «الفضائيات» أمام توسعها في ساعات البث لملئها بالأصوات الرديئة.. التَنَكية والنحاسية، وصار كل من «ينعق» له ألبوم غنائي، وصارت معظم ساعات البث غناء،، في غناء.. في غناء.
مثلا «ما يطلبه المشاهدون» ليس إلا غناء وكأن المكتبة التلفزيونية لا تحتوي إلا الأغاني، والسبب ليس هو المشاهد الذي تعود أن صيغة البرنامج تعني طلب الأغنية مع الإهداء فلو وجد المشاهد صيغة مغايرة لأمكن له ان يطلب مشهداً من مسرحية.. أو ندوة فكرية أو سياحة في الطبيعة.. أو معلومة طبية أو سوى ذلك، لكنه دُجّن من قبل هذه التلفزيونات غير المبدعة على هذا النمط فصار الطلب عند المشاهد يعني أغنية.
فإذا انتهى هذا البرنامج .. جاء برنامج اللقاء والضيف إما مطرب أو مطربة والذي يحاصر بمجموعة من المحاورين الذين يسألون هذا الفنان عن سيرته «العطرة»! من البدايات وتقدم خلال هذه السيرة فواصل غنائية من الضيف.. وبعد نهاية البرنامج تأتي الأخبار المصورة لنسهر بعدها مع أحد نجوم العالم العربي (طبعاً مطرب أو مطربة أو ممثلة أو راقصة!) وتتاح الفرصة للشعب العربي الهائم بهذا النجم ليهاتفه ويدردش معه وقد يطلب فقرة من الإبداع لهذا الفنان.
ولأن المشاهد هو الركيزة المستهدفة ف«لعيونك» له أن «يتدلل» ويواصل المتابعة والسهر «بعد سهار» وهكذا صار المشاهد العربي يتمايل طرباً من الصباح حتى فجر اليوم التالي وصار الفنانون هم ركيزة البث التلفزيوني العربي.. نلتقيهم على المسرح في حفل مباشر .. أو في المقهى.. أو في المطعم، ونراهم في الضحى وعيونهم مجحمة ومنتفخة من قلة النوم وكثرة السهر.. نراهم في فترة العشاء والضيوف يتناثرون على الطاولات والكل يشرب.. ويمص الشيشة والأرجيلة.. ثم نراهم في آخر الليل في بعض البرامج محاطين ببعض الضيوف .. والصبايا يتمايلن مع إيقاع الأغنية بملابس البيت أو ما يشبه بيجامات النوم، لقد وصل التلفزيون الفضائي الى الفنانين حتى في المخادع وغرف النوم.
|