* لوس أنجليس خدمة الجزيرة الصحفية
كانت شيري تري «ليس اسمها الحقيقي» مهووسة بفيلم «مولين روج»، وعندما طرح ذلك الفيلم الذي رشح للعديد من جوائز الأوسكار على الإنترنت في خدمة تبادل الملفات المجانية قامت على الفور بتنزيله على حاسبها الشخصي، مستخدمة خط تليفونها فائق السرعة ال DSL، وهي تقوم الآن بمشاهدته مرارا وتكرارا على جهازها الشخصي.
وبالنسبة لتلك المراهقة من منطقة لوس أنجليس فإن تنزيل الأفلام هو ببساطة استخدام لتكنولوجيا جديدة متوفرة، ووسيلة للاستمتاع الفوري بشيء كانت مهتمة به، ولا فرق بين ذلك وبين مشاهدة التلفاز أو الراديو على الإطلاق.
أما بالنسبة لصناع المواد الترفيهية، فإن هذه المراهقة وآلافاً آخرين من مستخدمي الحاسبات، الذين يقومون بفعل نفس الشيء فإنهم ليسوا أقل من قراصنة البحار.
فهم قراصنة على الإنترنت ينهبون مالكي الأفلام، ويحرمونهم من عائداتهم التي يستحقونها نظير تلك الصناعة.
ويقول بيتر شيرنين رئيس مؤسسة نيوز المحدودة، وهي جزء من استوديوهات شركة فوكس القرن العشرين: «إنها مشكلة خطيرة للغاية، فإننا لدينا العديد من الشباب الذين يظنون أن هذا عبارة عن «عملية تبادل ملفات» ليس إلا كما يسمونها، وهذا لا حرج فيه على الإطلاق، وأي جامعة بها خط T1 فائق السرعة يجعل من ذلك أمرا سهلا للغاية، وهذا يحدث في كل مكان ومرارا وتكرارا».
وطبقا لمؤسسة موشن بيكتشر الأمريكية فإن هذه الصناعة تخسر بالفعل أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا من حجم مبيعاتها بسبب النسخ غير المشروع لشرائط الفيديو، والآن مع وضعنا في الحسبان ما يقرب من 350 ألف فيلم على الحاسبات يتم تحميلها يوميا مجانا ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى مليون فيلم مع نهاية هذا العام فإن قرصنة الأفلام على الإنترنت هو كابوس هوليود الآتي في المستقبل القريب.
وقال ريتشارد بارسونز الذي سوف يتولى منصب رئيس سلسلة شركات تايم وارنر في الشهر القادم: «إذا لم نفكر في كيفية حماية مواد الترفيه عبر الإنترنت، فإن هذه الصناعة سوف يتم قرصنتها كاملة».
وقد راقب صناع السينما بشغف التحديات التي واجهت صناعة الموسيقى عندما قامت المؤسسات الحكومية بإغلاق موقع «نابستر» والذي كان متخصصا في تبادل الملفات الموسيقية عبر موقعه. وقال فريتز أتاوي نائب الرئيس التنفيذي لشركة موشن بيكتشر: «من خلال تجربة إغلاق موقع «نابستر» تيقنا أننا نرى مستقبلنا في هذه التجربة، وهو مستقبل مخيف للغاية».
إن غياب حلول متفق عليها دوليا بشأن مخاطر القرصنة الإلكترونية لا يهدد فقط النواحي الاقتصادية لصناعة السينما، ولكن ذلك الحجم المهول من السرقات يعيق محاولاتنا من أجل اختراع تكنولوجيات رقمية جديدة والتي طالما وعدنا بها عملاءنا، مثل السينما الرقمية عالية الجودة بالنسبة للمسارح التي تعرض الأفلام وكذلك البث الرقمي من خلال أجهزة التلفاز.
وقد يممت هوليود وجهها شطر واشنطن من أجل التوصل إلى حل، ففي نهاية مارس الماضي قام السيناتور الديموقراطي إيرنست هولينجز عن ولاية ساوث كارولينا بتقديم مشروع قانون عن ترويج الأفلام الرقمية عبر الإنترنت، والذي يطلب فيه أجهزة وبرمجيات جديدة تستطيع أن تحجب النسخ غير المشروعة للأعمال المنشورة عبر أجهزة التلفاز والأقراص المدمجة التي لها حقوق نشر وطبع.
وقال السيد شيرنين عن مؤسسة نيوز: «نحن نتحرك في اتجاهين، فيما يتعلق بالتحركات القانونية وكذلك من حيث سن الجديد من التشريعات».
وقد دخلت مؤسسات أخرى في هذا الجدل غير استوديوهات هوليود حول قرصنة الفيديو الرقمي. ويقول جوي كراوس أحد مؤسسي موقع DigitalConsumer.org وموقع التجارة الإلكترونية Excite.com : «إن المستهلكين يخسرون يوميا حقوق استخداماتهم الشخصية التي يتوقعون الحصول عليها» في إشارة إلى حقوق المستهلك التي حجبتها بعض التشريعات الجديدة مثل قانون حقوق النشر الرقمي الصادر عام 1998.
فقد قام قانون التسجيلات المنزلية الصوتية لعام 1992 بتشريع حق نسخ الموسيقى للاستخدام الشخصي، ولكن جاء تشريع 1998 وجعل القيام بتسجيل ولو مقتطفات من الاسطوانات ذات الحقوق جريمة. وحتى الشخص المشتري نفسه لا يحق له أن ينسخ نسخة أخرى شخصية له ليستخدمها في سيارته على سبيل المثال.
وقد قضت المحكمة العليا بأنه من المباح تسجيل البرامج والعروض عبر التلفاز، ولكن معايير القانون الجديد سوف تجعل نسخ التسجيلات الرقمية بدون تصريح من محطات التلفاز محرم قانونا، والآن تعتبر جريمة أن يقوم الشخص ببيع مشغل أقراص DVD والذي يسمح للمستخدم أن يتخطى الإعلانات التي تعرض في بداية المواد الإعلامية والتي تعتبرها بعض الشركات أنها «لا بد من مشاهدتها».
وقال السيد كراوز: «تاريخيا، كان هناك توازن بين حقوق النسخ لحامليها وللمواطنين مما أدى إلى خدمة الصناعة والأفراد على مدار مائتي عام». لذلك فإن حاملي هذه الحقوق لديهم الحق في أن يحصلوا على أرباح على منتجاتهم، وكذلك فإن المستهلكين لديهم الحق في أن يستخدموه في «أغراض غير تجارية وبطرق مرنة» وذلك بعد شرائهم للمنتج.
وأشار السيد كروز على شيء مهم يقول إنه تم تجاهله في المناقشات الحالية، وهو مفهوم «حقوق الطبع والنشر» كما يقول، وإنه مصطلح جديد نسبيا وقد حمي الجدل حوله في بداية إنشاء دستور الولايات المتحدة.
وأضاف: «لقد أدرك توماس جيفرسون أن الإبداع والتقدم في ممارسة الديموقراطية كانا نتاج مجموعة من الأفكار التي توهجت في تلك الفترة، وكذلك أدرك أن الأفكار لا يمكن أن تتولد من فراغ».
ويقول كراوز إن وثائق الدستور الأولى كانت بمثابة حلول تم ابتكارها من أجل خلق حافز للاختراع، ولكنها ولدت نوعا من الاحتكار لفترة قصيرة. وفي المقابل، كان للشخص الحق في أن يعيدها ثانية للمنفعة العامة، ولم يكن هناك حق حصري للأبد، «إن السبب الذي من أجله وجدت حقوق الطبع والنشر لم تكن لغرض حماية المبدعين، ولكن لنفع الوطن ككل».
وأضاف كراوز: «إن الخطر يكمن هاهنا: إننا من أجل جهودنا من أجل إيجاد نموذج أعمال جديد، فإن ما تريده صناعة الترفيه هو التخلص من فكرة استخدام الحقوق الشخصية، ونستخدم التكنولوجيا من أجل التحكم التام في المواد».
ولكن موشن بيكتشر لا ترى الصورة بهذه الطريقة، يقول أتاواي من موشن بيكتشر: «هذه هي أول مرة أسمع فيها أن هناك حقاً غير قابل للتحويل بشأن تجاهل بعض الإعلانات في أول الأفلام، وطالما أنها قضية تتعلق بحركة السوق فإن المستهلكين سوف يعلنون عن اهتماماتهم بشأن هذا الموضوع، وكذلك فإن شركات التكنولوجيا التي قد يطلب منها أن تنتج أجهزة وبرمجيات جديدة من أجل مواجهة القرصنة تريد أن ترى ضغط السوق والمستهلكين وليس الحكومة من أجل حل مثل هذه المشكلة».
وتحتج الشركات بأنه من المستحيل التنبؤ بالاختراعات التكنولوجية، كما قد توجد بعض التشريعات التي من شأنها أن تعوق عملية الابتكار الذي يعيد دماء الحياة لهذه الصناعة.
وقد قامت هذا الأسبوع شركة الكمبيوتر جيت واي بمواجهة تشريعات هولينجز من أجل دعم حق المستهلك في تحميل ملفات الصوت والفيديو الرقمية. كما يعرض موقع الشركة على الإنترنت الآن ملفات موسيقية يمكن تنزيلها مجانا.
كما أقامت مخازن الشركة ال 277 ورش عمل في نهاية الأسبوع عن كيفية تنزيل الملفات الرقمية وكيفية «حرق» الاسطوانات.
وفي جلسة سماع لمجلس الشيوخ هذا الشهر هاجم نائب رئيس شركة إنتل ليزلي فاداز الحكومة لدرجة أنه قال إن: «التدخل الحكومي سوف يخلق أضرارا سوف يكون من المتعذر إصلاحها في المستقبل».
ويشير المراقبون إلى أن هوليود لها تاريخ حافل في مكافحة أية تكنولوجيات كانت تظهر في السابق «أشرطة الفيديو، أجهزة الفيديو، أشرطة الكاسيت، وغير ذلك الكثير» والتي أصبحت بعد ذلك مصادر ربح أساسية بالنسبة لها.
ويقول البعض إن هذه التحفظات القانونية تعمي أنظار هوليود عن الحلول التكنولوجية المتاحة حاليا. فقد قال رئيس قطاع تطوير الأعمال للحقوق الرقمية لشركة آي بي إم مذكرا لجنة مجلس الشيوخ بأن الجيش قد حل مشكلة كيفية حماية البيانات الرقمية الحساسة. وقد قامت هذا الأسبوع شركة آي بي إم بإنتاج برنامج تشفير جديد قالت عنه إنه سوف يحل مشكلة النسخ غير الشرعي.
وقال المراقبون إن برمجيات التشفير الآمنة وكذلك الأجهزة الخاصة بذلك متاحة في الأسواق، ولكن عدم قدرة هوليود على الاتفاق على معايير موحدة هو ما منعها من استخدامها.
ويقول ديف كافينا الذي رأس قسم صناعة السينما الرقمية بشركة آي بي إم لمدة عشر سنوات، ويعمل الآن مستشارا مستقلا يبحث في قضايا الملفات الرقمية المقرصنة إن ثقافة صناعة أدوات الترفيه لا بد أن تتغير من تلك التي فيها تحكم كامل في الحقوق من الشركات إلى صورة أخرى أكثر تكيفا مع الواقع الذي نعيشه.
«فعلى سبيل المثال لا بد على الاستوديوهات أن تتوصل إلى نموذج اقتصادي من شأنه أن يدفعها إلى عرض الأفلام في يوم واحد في نفس الوقت في كل وسائل الإعلام، على الإنترنت، على خدمات الكابل التليفزيونية وعلى المسارح» وذلك من أجل تضييق فرصة القراصنة في السطو على تلك الأفلام قبل أن تتمكن الاستوديوهات من نشرها بصورة موسعة.
ويقول كراوز إنه بالنظر إلى تلك المراهقة شيري تري من لوس أنجليس يمكنها أن تعطينا درسا عن هذه الصناعة. وقال: نعم هي قامت بتنزيل فيلم «مولين روج» على جهازها، ولكنها أيضا أنفقت 19 دولارا من مصروفها من أجل شراء جهازDVD عندما أصبح متاحا في الأسواق، وقامت بتجميع الأصدقاء والعائلة في العديد من مرات المشاهدة نظير 9 دولارات للمرة.
وقد أدت عملية التحميل «المجانية» هذه إلى أنها قد باعت هذا المنتج عدة مرات. ويقول كراوز إن السؤال المهم هو: «هل تعامل الشركات كل المستهلكين على اعتبار أنهم لصوص محتملون أم تعاملهم بشرف وتعطيهم حقوقهم..؟».
وثيقة حقوق المستهلكين
وقد عرضت شركة DigitalConsumer.org ما يشبه «وثيقة حقوق تكنولوجية» ويقول جوي كراوز أحد مؤسسي الشركة إن هذه الوثيقة تم تجاهلها في المناقشات التي تمت بين هوليود وواشنطن بشأن قضايا قرصنة الفيديو والموسيقى.
وتقول الشركة إن حقوق المستهلك لا بد أن تشمل على الآتي:
حق المستهلك في «وقت الاستخدام» للمنتج الإعلامي. بمعنى تسجيله ومشاهدته في وقت لاحق.
الحق في «نقل المنتج الإعلامي إلى مكان آخر» أي تنسخ اسطوانة إلى مشغل MP3 محمول.
الحق في عمل نسخ احتياطية من المنتج الإعلامي مثل ملفات الموسيقى أو الفيديو.
* كريستيان ساينس مونيتور خاص |