نجاح تجربة إصدار العملة الموحدة في الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من ثلاثةعقود من التطلع إلى توحيد عملته يعد مثالا يحتذى به لدى دول العالم وخاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد أن قطعت عدة خطوات نحو التكامل الاقتصادي، ولكن بعد التجربة الناجحة للاتحاد الأوروبي فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لدى كل مواطن خليجي هو.. متى يتحقق حلم توحيد العملة الخليجية؟!
إن العملة الخليجية الموحدة هذا حلم يراود كل مواطن خليجي خاصة بعد أن اتضح أن المتغيرات العالمية وتحدياتها تتطلب التكتل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأصبح توحيد العملة الخليجية ضرورة اقتصادية، ونتيجة للخطوات التي خطاها مجلس التعاون نحو التكامل الاقتصادي حتى يستطيع مواجهة التحديات الحادثة على الساحة العالمية خاصة بعد أن وضح أن التكتلات الاقتصادية هي أهم معالم ومظاهر المتغيرات الحادثة على الساحة العالمية.
وقد اتجهت دول العالم نحو التكتل فيما بينها ليكون هذا التكتل حاميا وواقيا لها من هذه المتغيرات، ويعتبر الاتحاد الأوروبي بدوله الثماني عشرة وسكانه البالغ عددهم حوالي 300 مليون نسمة أبرز مثال على هذا التكتل الذي مر بمراحل عديدة حتى تحقق له ما يريده بالوصول إلى توحيد عملته وأطلق عليها اسم اليورو ليكون هذا التوحيد أول توحيد للعملة في العالم.. ولكن علينا أن نتساءل نحن الخليجيين.. أين الدينار الخليجي؟
والواضح من خلال رصد المتغيرات العالمية خاصة الاقتصادية أنه في ظل العولمة فلا بقاء إلا للقوي الكبير، أما الضعيف الصغير فسوف يؤكل كما تأكل السمكة الكبيرة السمكة الصغيرة، لذلك سعت كثير من دول العالم للتكتل لمواجهة تحديات العولمة فظهر كثير من التكتلات الاقتصادية الكبيرة مثل:
1 منطقة التبادل الحر لأمريكا «النافتا» والتي تشمل الولايات المتحدة كندا المكسيك.
2 رابطة جنوب شرق آسيا «آسيان».
3 الاتحاد الأوروبي.
4 مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
5 المجموعة الاقتصادية غرب أفريقيا «سيو».
هذه التكتلات تهدف إلى التكامل فيما بينها والتعامل مع العالم الخارجي كمجموعة دول بدلا من تعامل كل دولة مع العالم الخارجي بمفردها، حتى يكون تكتلها قادرا على مواجهة التحديات الكثيرة التي نجمت عن تأثيرات ظهور العولمة في كل المجالات.
إن الإنجازات التي تحققت في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال العقدين الماضيين في جميع المجالات سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية.. أو غيرها من المجالات هي كلها إنجازات تحقق بعضاً من آمال شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن على الرغم من التطورات الاندماجية المتسارعة التي شهدها المجلس والخطوات التي اتخذتها الدول الأعضاء على طريق إذابة الحواجز الاقتصادية وصهر أنظمة وتشريعات هذه الدول في بوتقة خليجية واحدة إلا أن المظاهر المبهرة لم توقف أبناء الخليج عن التطلع إلى الهدف الأكبر وتحقيق الحلم الذي طال انتظاره منذ سنوات طويلة. هذا الحلم هو إطلاق العملة الخليجية الموحدة وتتلهف شعوب دول المجلس لليوم الذي ستلتقي فيه مع الدينار الخليجي الذي سيكون الأداة الملموسة والرمز الحقيقي الدال على وحدة دول مجلس التعاون اقتصاديا.
إن هناك كثيراً من المقومات الجغرافية والاقتصادية تتميز بها دول مجلس التعاون لهذا فإنه عند التوصل إلى تحقيق إطلاق العملة الخليجية الموحدة ستصبح دول مجلس التعاون من أهم التكتلات الاقتصادية على المستوى الاقليمي نظرا لتمتع منطقة المجلس بالعديد من المميزات الاقتصادية والجغرافية التي تجعلها في وضع استراتيجي إيجابي مما يعضد من نجاح عملية التوحيد الاقتصادي والنقدي، ومن الممكن الإشارة إلى بعض هذه المميزات فعلى سبيل المثال لا الحصر:
1 بلغ عدد سكان دول المجلس حوالي 07.30 مليون نسمة في عام 1999م بمعدل نمو قدره 5.3%.
2 تبلغ مساحة دول المجلس 67.2 مليون كيلو متر مربع.
3 الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس يبلغ 62.255 مليار دولار أمريكي حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لقطاع التعدين حوالي 30.81 مليار دولار والناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير التعدينية حوالي 32.174 مليار دولار.
4 يبلغ حجم التجارة البينية للدول الست الخليجية حوالي 1.14 مليار دولار.
5 يبلغ حجم التجارة الخارجية للدول الست الخليجية حوالي 5.181 مليار دولار.
ويتوقع كثير من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين أن تحقق هذه الوحدة كثيرا من الفوائد لدول المجلس، من هذه الفوائد على سبيل المثال لا الحصر:
1 تنمية المشروعات المستقبلية لدول المجلس مما يحقق التنمية الشاملة وتعم الفائدة على جميع الدول.
2 دعم استقرار التبادل التجاري بين دول المجلس وبين دول العالم الخارجي.
3 القضاء على التباين بين اقتصاديات دول المجلس.
4 تعزيز القدرة التنافسية للسلع الخليجية في أسواق العالم وتعزيز الموقف التفاوضي الخليجي في مواجهة الشركاء التجاريين الرئيسيين في أوروبا وأمريكا واليابان.
5 خفض تكاليف المعاملات الخارجية وتحقيق نوع من الوحدة والتماثل في النظام النقدي الخليجي.
6 تنظيم عملية عرض النقود الورقية في السوق لضمان سلامة قيمتها وتشجيع البنوك في منطقة الخليج على تطوير ورفع أدائها.
7 تخفيف القيود المفروضة على منتجات دول مجلس التعاون وهذا يزيد من امكانات تسويقها في الأسواق العالمية.
إن تلك الميزات تعد حافزا لدول مجلس التعاون الخليجي للمضي قدما في طريق تحقيق الوحدة النقدية كنتيجة عملية للتكامل الاقتصادي المنشود بين دول المجلس تكون هذه الوحدة نواة للوحدة العربية الكبرى على أمل تحقيق التكامل العربي مستقبلا بإذن الله ولكن هذا الأمل يتطلب تكاتف الجهود والسعي الحثيث من جانب دول المجلس بصفة خاصة والدول العربية بصفة عامة لتكوين تكتل عربي يكون قادرا على مواجهة المتغيرات والتحديات التي تواجه هذا التكتل.
لهذا فمن الضروري أن تعمل دول المجلس على إنشاء كيان اقتصادي قوي كخطوة على طريق تحقيق تكامل اقتصادي خليجي واحد وتعمل على تفعيل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وذلك يقتضي ترتيب الأولويات حتى يتحقق التكامل الاقتصادي الكامل بين دول المجلس وبالتالي تحقيق الإنطلاقة نحو توحيد العملة.
د. توفيق عبدالعزيز السويلم مستشار اقتصادي ومدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية |