* واشنطن خدمة الجزيرة الصحفية:
تظهر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في الوقت الحاضر في بعض المسائل وكأنها تتطور نحو شكل من السخرية العلنية، فكل جانب يهدف الى الاستخفاف بالطرف الآخر، فالوصف الذي انتشر عبر أوروبا حول تحذيرات الرئيس بوش من «محور الشر» اوجد تشخيصا للأهداف المحتملة في الحرب ضد الإرهاب، وهو ما جعل وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبير فيدرين يصف السياسة الخارجية الأمريكية بأنها «تبسيطية»،وهو ما حمل بعض صناع القرار في البيت الأبيض يسخرون من هذا التعبير ويقولون ليس هناك مشكلة في هذا الموقف، لأن العالم هو القوة العظمى فقط وعليها عدم تقييد نفسها بما هو أصغر كي لا تخسر نفوذها.
قمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البيت الأبيض زادت من فرصةالجانبين على طرفي الأطلسي للانسحاب من مواقع خلافهما والتركيز على التعاون الاقتصادي بينهما بالدرجة الأولى، وعلى القضايا الأخرى مثل مكافحة الإرهاب التي تعطي للعلاقة بينهما بعدا هاما،والحليفان القديمان مازلا يملكان رؤية مختلفة في تطور بعض القضايا، مثل الموقف الأمريكي المتشدد حيال العراق، مما يحمل بعض المراقبين على القول بعدم جواز اختصار العلاقة بينهما بالتعاون فقط.
وفي الحقيقة فإن بوش دعا رئيس الوزراء الإسباني جوزي ماريا أزنار أن يبقى لما بعد القمة من اجل قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منتجع «كامب ديفيد»، وتنقل هذه الدعوة إشارة واضحة من الولايات المتحدة حول طريقة تفكيرها بالتجمع الأوروبي كشريك، والذي يعتبر مجموعة من القادة والقوى السياسية، والتي لا يمكن النظرإليها بشكل جماعي أو متساو.
وعمليا فإن مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس قالت إن «أوروبا والولايات المتحدة يملكان أرضية للتعاون والاهتمامات المشتركة بينهما أهم بكثير من الخلافات»، حيث جاءت تصريحاتها قبل يوم واحد من القمة التي جمعت الرئيس بوش مع رئيس الوزراء الاسباني السيد أزنار ورئيس الاتحاد الأوروبي رومانو برودي.
وكلمات رايس حسب عدد من المراقبين جاءت لتلطف الأجواء، لكنهم أضافوا أن هذه الكلمات فشلت في إنهاء الاعتراف بأن الخلافات واسعة بينهم، أو بمعنى آخر أن تزيل الخلاف بين القوتين الأقوى اقتصاديا في العالم في اتجاهاتهم نحو العولمة الاقتصادية.
وحسب جون هولسمان، من مؤسسة هيرتاج التابعة لمركز أبحاث واشنطن، فإن «هناك بعضاً من الحقيقة في اشتراك أوروبا وأمريكا بنفس القيم، ولكن هذا الكلام يحمل قدرا كبيرا من اللباقة».
الخلافات الأساسية
يقول هولسمان إن قائمة الخلافات بين الأوروبيين والولايات المتحدة تشمل محكمة الجرائم الدولية، ميزانية الدفاع لحلف شمال الأطلسي، النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، عقوبة الإعدام والسياسات البيئية الدولية، وحسب هولسمان فإن أقصى ما يمكن تأمله هو تبويب بعض هذه المشاكل.
وفي الواقع فإن اوجه الخلاف بين الولايات المتحدة و«أوروبا»، هي أيضا مجال خلافات بين الأوروبيين انفسهم، فقبل أن يغادر السيد برودي أوروبا الى واشنطن فإنه قام بتحذير الولايات المتحدة من مساعيها المنفردة لضرب العراق،معتبرا أن مثل هذا الأمر يمكن ان يؤثر على العلاقات عبر الأطلسي، لكن قراءة هذا الإنذار تعطي مؤشرات بأن القادة الأوروبيين ينظرون الى المسألة العراقيةبشكل مختلف. وضمن هذا السياق فإن عددا من الأمريكيين يرون في بعض القادة الأوروبيين،مثل برودي، الذين لا يملكون اتصالا وثيقا مع السياسة الخارجية الأمريكية،أو حتى مكافحة الأرهاب، نوعا من التوجه في السياسة الأوروبية نحو شكل وطني،وفي هذا الصدد يرى فيليب جوردون، خبير العلاقات الأمريكية الأوروبية في معهد بروكينغز واشنطن، بأن الخلافات ماتزال باقية، لكن مثل هذه القمم يمكنها أن تقوم بتبويب كافة أشكال الخلافات، ويضيف: «إن عملنا يتركز أكثر مع البريطانيين والفرنسيين والألمان».
ويمكن اعتبار هذا الأمر واحدا من الأسباب التي دفعت بوش لدعوة أزنار الى «كامب ديفيد»، فاعتمادا على ذلك يبدو أن بوش شعر بنوع من التعاطف السياسي مع زعيم اليمين السياسي الإسباني، فالتحرك الذي قام به يشبه ما فعله مع رئيس الوزراء البريطاني بدعوته الى مزرعته في تكساس، متأملا أن تقدم الدعوةالى كامب ديفيد ارتياحا لأزنار، فبوش حسب ما يقول جوردون يريد تقوية العلاقات الثنائية مع إسبانيا وذلك ضمن موقعها الأوروبي، ويضيف جوردون ان إسبانيا كانت دائما تحاول كسر دائرة الدول الأفضل في أوروبا، لذلك فإن تقوية العلاقات الأمريكية الإسبانية يخدم الجانبين. وعلى الصعيد الأوروبي فإن المصادر الرسمية تؤكد أنهم جاؤوا الى هذه القمة،التي تعتبر الاولى منذ أحداث 11 أيلول، وهم يحملون نفس الروح التي عكستها السيدة رايس، مستشارة الأمن القومي، في خطابها، ويركزون على القيم والمصالح والأرضية المشتركة، ولكن البعض في الإدارة الأمريكية يرون ان الأوروبيين جاؤوا الى هذه القمة وهم يحملون وجهات نظر مختلفة في بعض الأمور مثل الشرق الأوسط.
|