Monday 6th May,200210812العددالأثنين 23 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

قوى الضغط تبتز السياسيين الأمريكيين وتتحكم في السياسة الخارجية قوى الضغط تبتز السياسيين الأمريكيين وتتحكم في السياسة الخارجية
د. صلاح السليمان

أمريكا ليست شراً كلها، فهذا البلد العظيم بلد الإمكانيات الهائلة والفرص اللامحدودة لديه من المقومات المادية والمعنوية ما جعله وأبقاه إلى اليوم قبلة المتعطشين إلى الحرية والعدالة والعيش الكريم. فالدستور الأمريكي هو أكثر الدساتير التي وضعها الانسان نصرة للحرية والعدالة. والشعب الأمريكي هو أكثر شعوب المعمورة بذلا وعطاء، والمجتمع الأمريكي يوفر بيئة محفزة للابداع والطموح، لا يوفرها أي مجتمع آخر، هذه هي أمريكا، أمريكا الأخرى، أمريكا المحجورة عن بقية العالم بسياج إعلامي وإيديولوجي، ويخضع شعبها المشغول بهمومه اليومية والمنهمك بالعمل أكثر من أي شعب آخر لعملية توجيه سياسي شبيه لما تتعرض له شعوب العالم الثالث، مع فارق بسيط وهو أن تلك الشعوب لا ينطلي عليها ما تقوله أجهزة الإعلام في دولها، ولا تتأثر بما تتعرض له من دعاية، كما استطاعت، بفضل البث الفضائي وشبكة الانترنت، أن تتخطى حواجزها الإعلامية، والتعرف على وجهات النظر الأخرى، في حين يسلم الشعب الأمريكي بصحة ما يراه ويسمعه، ولا يتصور أنه واقع تحت تأثير أكبر شبكة لتزوير الحقائق وتبرير الجرائم في عصرنا. أما أمريكا التي نراها أمريكا القوة والغطرسة أمريكا التآمر والغزو، أمريكا التي لا تصون العهود، ولا تفي بالعقود، أمريكا التي جندت ابن لادن ودربته ومولته وسلحته ثم وجهته إلى أفغانستان لتقوم لاحقاً بمهاجمة هذا البلد المنهك بحجة إيوائه له.
وأمريكا التي ساعدت صدام حسين في حربه ضد إيران وزينت له غزو الكويت لتقوم بمهاجمة وتدمير ما تبقى من العراق رداً على هذا الغزو، الذي جرت رجله إليه.
أمريكا المساندة لأعداء الشعوب على شاكلة ماركوس وشاه إيران وجميع طواغيت أمريكا الجنوبية، والمتآمرة على الزعماء الوطنيين من مصدق في إيران إلى شافيز في فنزويلا. أمريكا تلك ليست أمريكا الشعب ولا أمريكا الحرية، إنها أمريكا العصابات التي اختطفت الديمقراطية وألغت إرادة الناخبين لتحل محلها إرادة تلك العصابات، التي اشترت ذمم «ممثلي الشعب» من أعضاء الكونجرس وغيرهم، وحولتهم إلى أزلام ينفذون ما تشاء من سياسات. إن شراء الذمم السياسية يعتبر جزءاً أساسياً من الحياة السياسية الأمريكية، تنفرد به عن غيرها من الديمقراطيات الغربية، ففي هذا البلد تتشابه البرامج السياسية للمرشحين، وللتعويض عن ذلك يتسابق هؤلاء إلى استعراض قدراتهم ومواهبهم والطعن بخصومهم.
وتتناسب فرص الفوز مع قوة تلك الحملات وبالتالي حجم تمويلها. وهنا يأتي موسم مزاد الذمم حيث تقوم تلك العصابات أو ما يسمى بقوى الضغط بابتزاز المرشحين إما بقبول تمويل حملاتهم من قبل تلك القوى مقابل تبنيهم لبرامجها السياسية أو مواجهة الهزيمة.
وبما أن الانتهازية صفة للكثير من السياسيين فإن قوى الضغط لا تجد صعوبة في «وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب»، ولا يقتصر ابتزاز تلك العصابات على تمويل الانتخابات، فهي تحتفظ لكل سياسي أو شخصية عامة بملف تحفظ فيه كل سقطاته وهفواته الحقيقية والمفتعلة، بل وتدس عليه من يوقعه فيها، وعند اللزوم تستخدم لكل معركة سلاحها المناسب. وأهم تلك العصابات، وأكثرها تأثيراً هما اللوبي اليهودي ولوبي صناعة الأسلحة. وتتفق أغراض هذين التجمعين على دعم إسرائيل والعمل على زيادة مخصصات التسلح بتغذية الخوف داخل المجتمع الأمريكي وافتعال الأزمات والمواجهات الدولية. أما ما يسمى بالائتلاف اليهودي المسيحي الذي وجد الرئيس بوش نفسه زعيماً روحياً له بعد أحداث 11 سبتمبر فيوفر الغطاء الإيديولوجي لمحور الشر المذكور، وهو يوهم أتباعه بأن ما يجري في العالم هو صراع بين الخير الذي تمثله أمريكا وإسرائيل والشر الذي يمثله الإسلام والعرب بوجه خاص، وأن ما يجري في فلسطين هو جزء من هذا الصراع وأنه إرادة إلاهية يجب تحقيقها. وبامتلاك تلك القوى وسيطرتها على أجهزة الإعلام الرئيسية استطاعت أن تحكم سيطرتها على المجتمع الأمريكي وتوجهه كيف تشاء.
وهذا ما يفسر التحيز «الأعمى» لإسرائيل. إن السياسيين الأمريكيين وفي مقدمتهم الرئيس بوش لا يجهلون ما تمارسه إسرائيل من مجازر وأن شارون ليس رجل سلام، لكن قراراتهم لا تستند إلى المعايير الأخلاقية أو حتى المصالح الوطنية الأمريكية، بل إلى ما يمكن تحقيقه على المستوى الشخصي، فالرئيس يتحدث ويتصرف وعينه على الانتخابات المقبلة، وعلى أخيه المهدد بفقد منصب حاكم ولاية فلوريدا، ويعلم أن مجموعة الضغط اليهودي، وبالتالي شارون، وليس أحداً آخر يملك مفاتيح الفوز. والرئيس بوش لم ينس بعد هزيمة والده وقبله الرئيس كارتر وقبلهما إنهاء الحياة السياسية للرئيس نكسون بل وحياة الرئيس كنيدي ومعه المستقبل السياسي لعائلة كندي عندما أرادوا الاستقلال عن قوى الضغط، والعاقل من اتعظ بغيره. وكما يفكر الرئيس ويتصرف يفعل غيره ممن يطمحون في الفوز بأية انتخابات، وهم على استعداد لتنفيذ برامج من يضمن لهم ذلك وان يرددوا كالببغاء ما يريد منهم ترديده. وبفضل نشاط هذا اللوبي لم تضمن إسرائيل مساعدة أمريكا فحسب بل اختطفت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولم يعد البيت الأبيض هو الذي يقرر تلك السياسة بل اليمين الإسرائيلي، وآخر مثال على ذلك هو رفض أمريكا الموافقة على لجنة تقصي الحقائق حول جنين ثم موافقتها بتوجيه «وليس بموافقة» من شارون، ثم ترديدها لاعتراضات إسرائيل على أعضاء اللجنة فيما بعد. إن إسرائيل بما لها من نفوذ، خصوصاً في الكونجرس، تملك حق الفيتو على قراراته بما في ذلك تعيين الوزراء والسفراء ومنح المساعدات الخارجية. ولذا فليس من المستغرب أن تتزلف بعض الدول كتركيا والهند بل حتى روسيا والصين إلى إسرائيل، كي لا تعترض على علاقات تلك الدول بالولايات المتحدة. كل هذا تحصل عليه إسرائيل بثمن بخس. إذ لا يتعدى ما تصرفه قوى الضغط اليهودية لشراء الذمم السياسية الأمريكية وتمرير برامجها 10% من المساعدات التي تحصل عليها إسرائيل من أمريكا بأصوات وقرارات عملائها. إن المال هو عصب الحياة السياسية الأمريكية وهو سبب فسادها، ولدى العرب من المال ما يكفي، ليس لشراء الذمم، كما تفعل مجموعات الضغط، ولكن لاختراق الحاجز الإعلامي الذي بنته والوصول إلى الشعب الأمريكي، ومخاطبته عبر وسائل الإعلام المختلفة من فضائيات موجهة أو صحف أو محطات تقام هناك ومن خلال شبكة الانترنت التي يتعاظم تأثيرها ويصعب احتكارها، ووضع الحقائق أمامه، وتقديم الدعم المادي للمرشحين الذين يضعون مصالح أمريكا في المقام الأول، ومساعدتهم في حملاتهم الانتخابية.
إن مخاطبة الشعب الأمريكي والتعاون مع شرفائه والمهتمين بمصالحه على طرد المرتزقة من مراكز القرار الأمريكية هو الذي سيغير السياسة الأمريكية تجاه العرب، بل وتجاه قضايا العالم أجمع، وليس التوسل إلى أولئك الذين لا يملكون من أنفسهم شيئاً والركوع في بلاطهم وتقديم التنازلات المهينة لهم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved