البنوك وشركات التأمين وشركات الاستثمار ثلاثة توائم متماثلة في اشتراط ملاءمتها ومصداقيتها والتزامها بوعودها ومواعيدها كأسس مهمة لوجودها وليس فقط لنجاحها وثقة الناس فيها واطمئنان المتعاملين معها.
ما سلف يمثل الأسس العامة العالمية لهذه المؤسسات المالية كما يمثل الأصول القانونية الحاكمة لوجودها، وبالطبع فإن لكل دولة أنظمتها الخاصة التي وان كانت لا تخرج عن أفق المبادئ والأصول العامة إلا انها تنظم العلاقة بين تلك الشركات «وقد يكون بعضها أجنبياً» وبين المتعاملين معها من مواطنيها، إلى جانب الكثير من الأحكام التي تكفل الدولة من خلالها ضمان وفاء الشركات بالتزاماتها المالية دون تأخير وتضمن بها عدم انجرارها وراء استثمارات قد تؤثر في مقدرتها المتاحة للوفاء، وفي هذا المضمار توجب الأنظمة الداخلية ايداع نسبة مئوية من احتياطات الشركات القانونية في البنك المركزي «مؤسسة النقد العربي السعودي» وتحرص الأنظمة المحلية كذلك على وضع قيود على استثمارات الشركات المالية كماً ونوعاً بحيث تكون هذه الاستثمارات متناسبة مع رأسمالها ومتوافقة مع حجم تعاملاتها وحجم تسديداتها، كما تراعي الأنظمة وضع ضوابط دقيقة ومفصلة تهدف إلى وجوب أن يوظف جزء من تلك الاستثمارات ان لم تكن بالكامل محلياً بحيث لا تكون هذه المؤسسات وسائل استنزاف لرأس المال الوطني وضخه إلى الخارج كما هي الحال.
ومع استثناء البنوك بحكم رقابة مؤسسة النقد العربي السعودي وتقيدها بأحكام نظام مراقبة البنوك الصادر عام 1386ه مع ما يقال عنها من تصدير استثماراتها إلى الخارج، فإن مؤسسات الاستثمار الأخرى، ونقصد بها شركات أو مؤسسات الاستثمار وشركات التأمين، لا تتقيد بأي نظام، ولا تخضع لأي رقابة، ولعل من سائل يقول: أين وزارة التجارة إذاً؟ وسوف لا يعز الجواب بأن تلقى الشكاوى هو ما تفهمه الوزارة كوظيفة أساسية لها فلا هي لا تكترث من ذاتها بما يجري في السوق، ولا هي ترى ان من مهامها المبادرات لوضع مشاريع أنظمة وأحكام تحمي المواطن وتحافظ على مصالحه وتقيه عوادي المحتالين والمستغلين، فتحت سمع وبصر المسؤولين في الوزارة نصبت فخاخ الاستثمار للمواطنين وبإغراءات الأرباح التي قيل انها تتجاوز «25%» في السنة وبدافع الطمع وابتغاء الرزق الميسر وقع كثير من المواطنين في شباك مؤسسات وشركات توظيف رؤوس الأموال التي لم تكترث الوزارة حتى بالتأكد من صحة تسجيلها بالوزارة ومعرفة أغراضها وأهدافها وقد ضاعت مدخرات المواطنين المستثمرين معها أو الجزء الكبير منها ولا يزال الحبل على الغارب دون وضع أي ضوابط عليها.
وهذه العديد من شركات التأمين الأجنبية، حتى وان تحايلت بالصاق كلمة «إسلامية» إلى اسمها، تسرح وتمرح تسوق لخدماتها وتبرم العقود الكبيرة وحتى الصغيرة وتجمع الأقساط الشهرية أو السنوية وهي حرة طليقة ليس فقط من شرط الحصول على تراخيص وسجلات تجارية ومن التقيد بأي قواعد وأحكام قانونية بل ومن الخضوع لأي قضاء شرعي بحكم رفض المحاكم الشرعية وديوان المظالم الاختصاص بنظر ما يتعلق بالتأمين لما تراه من حرمته الشرعية ولما ينطوي عليه التأمين من مقامرة وغرر مبطل للتعامل.
ولا يبقى للمتضرر من وسيلة لاقتضاء حقه إلا اللجوء إلى وزارة التجارة التي بدورها تطوح به إلى التحكيم ان كانت ظلامته كبيرة وتمضي الأشهر والسنين في اختيار المحكمين وفي الاتفاق على عناصر مشارطه التحكيم وفي نقاش اتعاب المحكمين ومعرفة من يتحملها وفي الغالب تكون هذه الأتعاب أكبر وأكثر من قيمة التعويض الذي يطالب به صاحب الحق وتنتهي العملية كلها بمصالحة مجحفة بالمواطن أو بتخليه عن دعواه، وهكذا يبقى السؤال معلقاً عن المسؤول عن ضياع الحقوق؟، فهل يبادر المسؤولون في وزارة التجارة وفي وزارة المالية والاقتصاد الوطني ومؤسسة النقد العربي السعودي إلى وضع مشاريع أنظمة متكاملة تتكفل بتنظيم نشاط التأمين المباح ونشاط الاستثمار وتوظيف رؤوس الأموال وكذلك إعادة النظر في نظام مراقبة البنوك بحيث تلزم البنوك بتوظيف جزء من أموالها داخل الوطن وفي كل المجالات والنشاطات المتعددة بما في ذلك العقار وبناء المساكن والمدارس وغيرها.
|