Thursday 2nd May,200210808العددالخميس 19 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لما هو آت لما هو آت
لكِ وحدكِ 89
د. خيرية السقاف

الحديث معكِ لا يُملُّ...
ولا ينقطع...
أنتِ تدرِّين كما مزون الغيمة... تمدِّين مزاريب النفس بفيض لا حدود له...
تهطلين... تروين... فينتعش الإحساس...، ويخفق في الصدر القلب...
جئتكِ في آخر مرة ووخزات تخدش القلب...، قلتُ لكِ طوارق الآلام لم تبارح ساحة الإنسان...، القلوب يانوّارة مكلومة.... مألومة...، ومسحات من غبار الخوف لحقت بها... وإشارات الدروب طويلة داكنة...
لكنَّكِ كما أنتِ دوماً... ترفضين الخنوع للخوف... ولا تُقرِّين الاستسلام للفجائع...، وتنهضين في وجه الغبار، وتشمخين فوق الثبور تردمينها بطموح لا أدري كيف يمتلئ به رأسكِ الصغير...؟
لكنَّكِ دوماً كنتِ تبتسمين، تربتين فوق كفي وأنتِ تمسكين بها في راحتيكِ... وتقولين:
رأسي ليس صغيراً يا بنيتي!!...
اليوم... قارنتُ رأسكِ بكلِّ الرؤوس...،
اليوم أدركتُ حجمه...، وجدته أكبر سعةً من مساحة الأرض التي تقف فوقها رؤوس النَّاس، كما أنَّني رأيت حجم استدارة الأرض لا يتسع له...
أنتِ كما أعرفكِ ملكوتيَّة المساحة والسعة، والحجم، والوزن...
أنتِ إنسان الحياة كلِّها يا نوَّارة...
لذلك عرفتُ سرَّ السرِّ في إقبال النَّاس كي يمتحوا منكِ...،
كي يغرفوا من معينكِ كما أفعل،
كي يلتقوكِ كلَّ خميس معي...
أنتِ لا تمنحين الثِّقة فقط... بل تُذَوِّبين الخوف، تُبدِّدين الوحشة...، تُعيدين النَّفس من متاهات الغربة إلى مناخات الانتماء...
كم أتمنى أن تركن إليكِ كلُّ النفوس القلقة...، وأن تستكين إليكِ كلُّ القلوب الوجلة...، وأن تهدأ عندكِ اضطرابات المفجوعين، وترضى لديكِ غربة الضائعين...
وأن تستقي منكِ الرحمة الأصوات الناريَّة...، وتأخذ من طيبكِ، ونفح عبيركِ الألسنة فلا تقول إلاَّ حسناً...، ولا تنطق إلاَّ طيباً... ورفقاً...
فلقد بات كلُّ شيء يا نوَّارة يتطلَّع إلى عودة الراحلين في متاهات الغربة...
كلُّ الذين يعبرون الدروب، لم تعد بين أيديهم الدروب قصيرة...
كيف امتد الطريق بهم؟ وكيف لم تعد فيه شارات ولا وميض...، وكيف اختفت عنه البوصلات وضلَّ فيه الحداة؟... لا أدري... لكنَّني كلَّما استعدت حديثكِ ونحن نقف على قارعة الانطلاق... تذكَّرت كلَّ الذي كنتِ تقولين قد برهن عنه الطريق... وجاءت به اللَّحظات... أرغب اللَّحظة أن أضع شريطاً في علبة دولابية يحرِّكها جهاز صغير... إلى الأمام فتعرض لي «كوميديا» الرَّاهن، وإلى الخلف فيعيدها معكوسة لأرى ببطء تفاصيل «دراما» الذي يمضي ويمضي...، وأوقفها... فتطلُّ علي «تراجيديا»... لكنَّني سوف أتخيَّل رأس السَّمكة الكبير يطلُّ عليَّ من جوف البحر...، ما تلبث السَّمكة أن تتفل... وتعود للعمق...
أما نثرات تِفالها فتذهب تمتزج بمياه البحر... بمثل ما تمتزج فكاهة، وأحزان، وواقعية، وآلام، وأحلام، وآمال البشر في ذلك الشريط.. لكنَّني بالتأكيد لن أفعل كالسمكة فأجعل الآلة تلفظه... ذلك لأنَّه سوف لن يمتزج أبداً بما حوله... ذلك لأنَّ خارج الجهاز الذي يدور فيه تختلف تفاصيله، ولا تحقق له الامتزاج... لأنَّ لا توافق ولا تآلف بينهم... أمَّا السَّمكة فقد قدمت لمياه البحر ما أمكنه من الامتزاج والتداخل والائتلاف!!...
ستعودين لتؤكِّدي لي تلك الأسطورة غير الخرافة التي أمضينا معاً في سماعها ليالي لم تكن لتنقضي لولا أنَّ العصافير لم تكن ترضى البقاء في أعشاشها، وممارسة النَّوم عندما يهلُّ الفجر... تلك كانت حكاية البذرة مع التُّراب، والروح مع الجسد...
نوَّارة...
هناك من الكلام ما لا يقف مدُّه أبداً...
لكنَّ ثمة سلحفاة بريَّة تطلُّ من خلف أكمة الانتظار...
ذلك لأنَّها فقط للتوِّ وجدت منفذاً كي تعبر...
وقد أمضت زمناً حتى بلغت هذا المكان...
لسوف أدعها تعبر...
ولسوف ألتقيكِ يا نوَّارة كما أنتِ في حوارنا الذي لا ينقطع...
و... تظلَّين ببهائكِ من يعمِّر الدِّروب...، من يفسح المنافذ...
من يمسح عن الرِّموش عوالق التُّراب...
وعن الصَّدر مخاوف الألم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved